فؤاد حشيش
ان تاريخ الدعم العسكري والتقني الذي قدمته الولايات المتحدة لجمهورية جورجيا بعد انفصالها عن الاتحاد السوفياتي السابق يمتد لفترة اكثر من عشرين عشر عاما. وخلال تلك الفترة تعاظم حجم المساعدات الاميركية لجورجيا باكثر من مئة مرة، ولا يزال ،على اعتبار ان واشنطن تعتبر جورحيا بمثابة الخاصرة الرخوة التي كان من الممكن التمدد من خلالها الى الداخل الروسي ولكن فشل المشروع، وكانت الخطة الاخرى من خلال اوكرانيا وايضاُ تعرض المشروع الاميركي الى هزيمة، ولكن واشنطن لا تمل من مشاريعها البائسة لضرب روسيا واضعافها وعبثاً تحاول .
كان لدى القوات المسلحة الجورجية انذاك ما يلزم من الامكانيات التقنية والبشرية للقيام بالضربة التي تم التخطيط لها في تبليسي ضد جمهورية اوسيتيا الجنوبية في العام 2008.
إن الولايات المتحدة تضع في استراتيجيتها مسألة عدم الاطمئنان إلى الوضع القائم في روسيا اليوم على الرغم من العلاقات التي تربط بين الطرفين والتي يسودها التوترالكبير بسبب الازمتين الاوكرانية والسورية وتطور العلاقات مع ايران، وكذلك وجود منظمتي “شنغهاي” و”بريكس” ، فهي تخشى من حدوث تغيرات في توجهات القيادة الروسية تعيد الحرب الباردة والصراع بين الطرفين، وهذا ما يسبب أشد القلق لها، ويجعلها تحسب ألف حساب للمستقبل، وهي لذلك عملت وما تزال تعمل بأقصى جهدها ليس فقط لإبعاد روسيا عن الشؤون العالمية، بل لتطويقها، ومد حلف الأطلسي إلى عقر دارها.
لقد تحدث الرئيس الروسي فلاديمبر بوتين بخطابه في مؤتمر ميونخ للسياسات الأمنية في الحادي عشر من شباط 2007 موجهاً فيه اتهامه الصريح للولايات المتحدة قائلاً: أن الولايات المتحدة تنشئ، أو تحاول إنشاء، عالم وحيد القطبية
ثم عاد وفسر بوتين ما تعنيه هذه التسمية قائلاً:
ماذا يعني عالم وحيد القطبية بصرف النظر عن محاولاتنا لتجميل تلك العبارة، فإنها تعني العالم الذي يرتكز على وجود قوة واحدة تتحكم فيه، وتعني أيضا عالم له سيد واحد فقط،، وإن هذه التركيبة أدت إلى كارثة، مضيفاً أن الولايات المتحدة قد تعدت حدودها الوطنية في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والإنسانية، بل فرضت نفسها على الدول الأخرى. إن الحروب الأهلية والإقليمية لم تتوقف، كما أن عدد الناس الذين يقتلون بسببها في ازدياد متصاعد. إننا لا نرى أي نوع من التعقل في استخدام القوة، بل نرى استخداما مستديما ومفرطا للقوة، وأضاف أن الولايات المتحدة قد خرجت من صراع لتدخل صراع آخر من دون تحقيق أي حل شامل لأي منها.
رد انذاك السناتور الجمهوري الأميركي جون ماكين الذي كان المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري بعنف على خطاب الرئيس بوتين قائلا:ً
إن عالم اليوم ليس وحيد القطبية، وأن روسيا “الاستبداديةّ “هي التي تحتاج إلى تغيير في سلوكها، وأضاف قائلاً إن على موسكو أن تفهم أنها لا تستطيع أن تتمتع بمشاركة حقيقية مع الغرب طالما أن أفعالها في الداخل وفي الخارج تتعارض بشكل أساس مع لب قيم الديموقراطيات إليورو- أطلسية، وادعى جون ماكين أن عالم اليوم هو بالفعل عالم متعدد الأقطاب، ولا يوجد مكان للمواجهات العديمة الجدوى لذا أتمنى أن يفهم الزعماء الروس هذه الحقيقة!. .
عقدت القيادة الروسية العزم على التصدي لهذه الخطط مستعرضة قواها العسكرية، واستخدامها الفعلي ابتداءاً جورجيا من اكثر من ثماني سنوات، وتوجيه تهديد صريح لبولندا وبلجيكيا من مغبة التمادي في خدمة المخططات الأميركية العدوانية بتوجيه الصواريخ الروسية نحو هذه البلدان، وتوجيه الضربات الأولى لها في حالة نشوء أي نزاع مسلح بين روسيا والولايات المتحدة.
كانت الولايات المتحدة قد أسكرتها انتصاراتها في حرب العراق، وجعلتها تفقد توازنها، وباتت تتصرف كشرطي عالمي، وتتجاهل المنظمة الدولية ومجلس الأمن لتفرض على الشعوب ودول العالم مشيئتها، غير مدركة أن ذلك لن يدوم إلى الأبد، فالماردان الصيني الروسي ينهضان لأخذ دورهما الفعّال في الشؤون الدولية، كما أن الهند باتت تشكل اليوم قوة كبرى، كما أن الاتحاد الأوروبي تعاظم دوره، حتى بدأ بالاهتزار نتيجة الظروف البنيوية التي فرضت تركيبته وخروج بريطانيا في الفترة الاخيرة بعد استفتاء شعبي خير دليل ،وفي بعض الاحيان يأخذ اتجاهاً استقلاليا عن المخططات الأميركية.
ثم هناك الدور الاسرائيلي الذي يتعاظم في المنطقة، ويتغلل في الجمهوريات السوفياتية السابقة حيث ان اسرائيل لم تتوان عن تقديم الدعم للسلطات في جورجيا والحرب التي حصلت في العام 2008 كشفت المستور عن ذلك الدور على صعيد التدريب والتسليح وكانت الحرب مع روسيا ، حيث تعرضت القوات الجورجية الى هزيمة نكراء على ايدي قوات الجيش الروسي بعد المحاولة الفاشلة التي قام بها الرئيس السابق ساكاشفلي، والمفارقة انه تم الاستعانة ” بخبراته” في الحرب في اوكرانيا والتاريخ اعاد نفسه، بعد الهزيمة النكراء في المناطق الشرقية من اوكرانيا في مناطق دانيتسك ولوغانسك والتي اعلنتا جمهوريتين مستقلتين رغم عدم الاعتراف الروسي المباشر، وبالتالي عودة القرم الى الحضن الروسي في عملية امنية دقيقة لم تستغرق بضع ساعات، وهذا ما افقد واشنطن صوابها واعلنت عن فرض عقوبات على روسيا لاركاعها واعتبارها دولة ” اقليمية ” ولكن دون جدوى ، وكانت الحرب على سوريا لكن روسيا اثبت قوتها وجدارتها في ادارة المعركة ضد المشروع الاميركي والخليجي والنتيجة واضحة للعيان.
منذ اعلان “الثورات الملونة” ومساهمة واشنطن المباشرة تحت شعار الحرية والديموقراطية، ازداد عدد الفقراء واللاجئين وانتشار الامراض وسقطت انظمة عبر التدخل المباشر ، و”اليانكي” لا يتعب ويتنقل بين الجثث والدم لتمرير مشاريعه القاتلة ولكن دون اي نجاحات ..
العالم تغير منذ الثلاثين من ايلول الماضي.. منذ طلقات قزوين!!
بئس الديموقراطية الاميركية!!