أين الدولة اللبنانية من قانون العقوبات ضدّ حزب الله؟


فراس مقلّد

أقرّ الكونغرس الأميركي بتاريخ 17/11/2015 قانوناً يرمي إلى حظر التمويل الدولي لحزب الله، وفرض تطبيق قانون العقوبات الأميركية على الأشخاص الذين يرتكبون أو يشاركون أو يتدخلون أو يساهمون في مخالفة أحكامه.

ومن جملة ما تضمّنه هذا القانون الأميركي وصف قناة «المنار» بأنها تابعة لمنظمة إرهابية، وطلب تقرير عن كل شركات البث والستالايت والإنترنت التي تتعاقد معها أو تقدم لها خدمات بث وتواصل، تمهيداً لوضع هذه الشركات على لائحة المقاطعة الأميركية، الحظر على المصارف الأميركية فتح أو الإبقاء على أي حساب وسيط لإتمام معاملات أي مصرف أجنبي تورّط في تبييض أموال لحساب حزب الله أو القيام بأي تحويلات مالية أو تقديم أي خدمات مصرفية تساعد حزب الله في تحويل الأموال (كذلك تشمل هذه الإجراءات المصارف التي تتعامل مع الأشخاص والمؤسسات الواردة أسماؤهم على اللائحة السوداء بتهمة علاقتهم بحزب الله)، طلب لائحة بأسماء الدول التي تقدم دعماً مالياً لحزب الله والدول التي يوجد للحزب فيها شبكات للخدمات اللوجستية، طلب التحري عن مصادر وطرق تمويل حزب الله، وطلب التحري عن المصارف التي تُقدم تسهيلات أو خدمات مالية ومصرفية لحزب الله.

وفي حين أعلنت الولايات المتحدة أنّ المراسيم التطبيقية لهذا القانون صدرت، أرفقت إعلانها بلائحة محدّثة من 99 شخصا جرى وضعهم على لائحة العقوبات. في المقابل، لا تزال التدابير الاميركية المتعلقة بالقانون المذكور غير معلنة بالكامل، وبالتالي لا يمكن التكهن بها مسبقا.

من ناحيتها، لا تزال الدولة اللبنانية غائبة بشقيها التنفيذي والتشريعي، في ظلّ فراغ منصب رئيس الجمهورية، عن مواجهة هكذا قانون يعبث بالسيادة الوطنية غير آبه بالنتائج التي يمكن أن تصيب بلاداً تستضيف عددا كبيرا من اللاجئين السوريين الهاربين من أتون الحرب في بلادهم، بالإضافة لتصدّي جيشها ومقاومتها للخطر الإرهابي على الحدود.

وفي مقابل التصريحات الايجابية التي صدرت عن أعضاء في وفد جمعية المصارف الذي جال في الولايات المتحدة، يؤكّد مصدر مطّلع لـ”الإعمار والإقتصاد” أنّ “أعضاء الوفد يعلمون أنهم سمعوا حديثا مفاده أنّ هذا القانون أميركي ويجب على المصارف اللبنانية الالتزام به، وأكبر دليل على ذلك هو ما قاله حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن إصدار المصرف المركزي قريبا لتعميم يؤكّد التزام لبنان قانون العقوبات الأميركي”.

 

الدولة غائبة.. ومغيّبة

لموضوع العقوبات الأميركية ضد حزب الله وكيفية مواجهته من قبل لبنان شقّان أساسيان يجب التطرّق اليهما. الشقّ الأوّل يتعلّق بالتدابير التي يتّخذها الأميركيون تجاه كافة البلدان دون استثناء. الشقّ الآخر يتعلّق بالعقوبات التي وضعوها ضد ما سمّوه “ارهاب” حزب الله، وهي لائحة عقوبات “مفصّلة على قياس” الحزب، بمعنى أنّهم لا يطالونه بالمباشر، كونهم يعلمون أنّ لديه آليات لا تمرّ عبر قنوات الجهاز المصرفي، فيحاولون استهداف بيئته والمتعاطفين معه والناس الذين من المحتمل أن يتعاونوا معه بشكل أو بآخر.

أوّل مشكلة حقيقية نواجهها في كلّ ما يتعلّق بالقطاع المالي، هي انتفاء أيّ دور، اهتمام، أو مقاربة رسمية، حكومية كانت أم رئاسية، في ما يتعلّق بالأزمات والتهديدات المالية. أزمة البنك اللبناني الكندي مثال على ذلك، حيث لم نر أي حركة من الحكومة أو من رئيس الجمهورية، فلم يقم أي منهم باتصالات، بانشاء خلية طوارئ أو خلية أزمة، بل رميت المشكلة بوجه مصرف لبنان الذي اضطر الى استخدام كل علاقاته العربية والدولية لمحاولة إبعاد الكارثة عن القطاع المصرفي.

لا شكّ أنّ المصرف المركزي هو المعنيّ الأوّل بمسألة من هذا النوع، ولكن في مواجهة هكذا قضايا، ثمّة ما يتّصل بالدول، بعلاقاتها، باستنفار صداقاتها. هذا الجانب كاملأً مغيّبٌ في بلادنا، وأكبر دليل على ذلك هو الوفد النيابي الذي زار الولايات المتحدة الأميركية للوقوف على قانون العقوبات وعقد مباحثات لمحاولة تدارك الموصوع. على أهمية إرسال وفد نيابي الى الخارج، غير أنّ المضحك المبكي أنّ الوفد الذي جال في واشنطن ونيويورك ليس وفداً تقنيا، بمعنى أنّه غير معني بالشؤون التقنية، أمّا على المستوى السياسي، فلم يكن من “الصفّ الأوّل”. بالتالي، ورغم كلّ الجهود التي بذلها هذا الوفد في الخارج، لم يكن لمجهوداته أي مفاعيل سياسية أو تقنية.

في هكذا مسائل تتعرّض لها الدول، تقوم الأخيرة بتجميع أوراقها وإمكاناتها، فتترجم بحثّ الأصدقاء على التدخّل والحديث معهم حول الأخطار الناجمة عن هذا الموضوع وانعكاساته من جهة، و من جهة أخرى، تحليل أدوات البلاد لمواجهة المخاطر المتأتية من هكذا قرارات.

من المحتّم أن ليس بإمكان لبنان مواجهة النظام المصرفي الأميركي، غير أنّ بوسعه اللعب على وتر النفط والغاز، خصوصا أنّ الشركات الأميركية مهتمّة بشكل كبير باستثمار النفط والغاز اللبنانيين، وهذه واحدة من الأوراق الأهم في يد لبنان الذي بإمكانه استعمالها للمقايضة، أو ربما مجرد التلويح بها. يمكن للبنان أن يعلن أنّه إن كان ثمّة من سيصدر بوجهنا عقوبات دون مجرّد سماع وجهة نظرنا، من الطبيعي انّ شركاته لن تكون مرحّبا بها، أو لن تكون لها الأولوية كما شركات أخرى في هذا المجال.

 

سوء التقدير والتوقيت

كذلك، كان بالإمكان التواصل مع من يمكن أن يتدخّل، سواء كرمى علاقته بلنان وخوفا عليه أو لمجرد النكاية بالأميركيين، وهنا الحديث عن روسيا بالتحديد. غير أنّ الدليل الأكبر على سوء التقدير الرسمي اللبناني يتظهّر في هذا الملف، حيث ضيّق لبنان على الدور الروسي في البلاد وعلى دور الشركات الروسية التي كانت متلهّفة للاستثمار في نفطه وغازه.

في أوقات المحنة السابقة كان اللجوء دوما الى طلب تدخّل خليجي أو تدخّل فرنسي، غير أنّ الوضع اليوم والتوترالحاصل بين لبنان ودول الخليج والانحياز الفرنسي المستمرّ منذ تولّي هولاند الرئاسة في فرنسا الى المصالح الخليجية يثبت أنّ العقوبات الأميركية جاءت في أسوأ وقت بالنسبة للبنان.

وعلى رغم العثرات والصعوبات، غبن انّ المهم أن ندرك جميعاً أنّ هكذا موضوع بهذه الضخامة ليس موضوعا تفصيليا أو هامشيا يمكن غضّ النظر عن التعاطي معه.

 

كيف يتصرف لبنان مع العقوبات؟

الشقّ الثاني للمسألة يتعلّق بكيفية التعاطي مع هذه العقوبات. لدينا هنا نموذج عن كيفية التعامل مع موضوع العقوبات في بداية الأزمة السورية. حينها، وبمجرّد نشر لوائح لأشخاص طالتهم العقوبات، انبرى البعض للقول بوجوب عدم فتح حسابات للسوريين أبدا بحجة الخوف من العقوبات، علما انّ العقوبات لم تتطرّأ الى هذا الأمر، ومراهنين على سقوط النظام السوري بسرعة، على أن يؤدّي ذلك الأمر الى تدفّق الأموال السورية الى المصارف اللبنانية. في النتيجة، استفادت مصر والعراق وتركيا والأردن بشكل كبير من نزوح الأموال السورية، فيما لم يستفد لبنان بشيء، بدليل أنّ الودائع لم تزد بشكل لافت.

وحتى لا نكون ملكيين أكثر من الملك، رأينا في الأمس القريب، وإثر الإعلان عن عقوبات أميركية ضدّ حزب الله، وحتى قبل صدور المراسيم التطبيقية، تنطّح أحد المصارف الى إقفال حسابات بالعملة اللبنانية، صادرة من الدولة اللبنانية، لمسؤولين كبار في الدولة اللبنانية !! (مع العلم أنّ حاكم مصرف لبنان أشار مؤخرا الى أنّ هذا الموضوع غير مشمول في العقوبات !)

نحن إذاً أمام معضلة حقيقية لمحاولة منع هذه القضايا من الدخول في اللعبة السياسية اللبنانية بغية استعمالها من طرف بوجه طرف آخر، لأنّ البلد كلّه سيخسر، ونحن اليوم أمام تحدّ يتعلّق بكيفية صوغ مقاربة لنستطيع التعاطي مع هذا الملفّ ومواجهته. اولى نقاط هذه المقاربة تنطلق من اقتناعنا أنّه إذا طالت هذه العقوبات طرفا في البلاد أو جزءا منه، فهي تطاله كلّه. ليس ثمّة من رابح وخاسر في هذه المسألة. النقطة الثانية تتعلّق بكيفية التصدّي للعقوبات كبلد.

 

السيادة الوطنية منتهكة !

المفارقة اليوم فيما يتّصل بالعقوبات الأميركية ضدّ حزب الله، أنّ الأميركيين في العادة يصدرون مراسيم تطبيقية لعقوبات تطال التعاطي بالدولار الأميركي، بينما هم اليوم أصدروا مراسيم تطبيقية تطال التعامل مع حزب الله بكافة العملات، وهو اعتداء مباشر على السيادة الوطنية للدولة اللبنانية !!

في هذا الإطار، يقول مصدر مطّلع على الملف لـ”الإعمار والإقتصاد” أنّ “ليس لدى الأميركيين إمكانية للضغط الفعلي إن كان التعامل بعملة مغايرة للدولار الأميركي. غير أنّ باستطاعتهم إبلاغ المصرف المراسل لأحد المصارف اللبنانية بوجوب التخلّص من حساب معيّن. حينها سيقوم المصرف المراسل بالاتصال بالمصرف اللبناني وطلب إلغاء الحساب تحت طائلة وقف التعامل بين المصرفين، وهذا الأمر سيكون بمثابة “تركيع” هائل للنظام المصرفي اللبناني”.

من جهة أخرى، يؤكّد المصدر أن “لا صحة لما تداول عن إمكانية تهديد الليرة اللبنانية عبر العقوبات”، لكنّه شدّد في المقابل على أنّه “اعتداء على السيادة الوطنية، لأن سيادة الدولة اللبنانية على عملتها مطلقة، والقوانين المصرفية اللبنانية قوانين مطلقة، وقانون العقوبات ليس قانونا دوليا، بل قانون مصرفي أميركي لديه سيادة على عملته الوطنية (الدولار) ولا حقّ له بالتدخّل في عملات أخرى”.

جدير بالتذكير أنّ هذا القانون الأميركي لديه القدرة على إلغاء حساب أو حتّى كيان دون أي تبرير أو إثبات !!

 

أزمة العقوبات على ايقاع النار الإقليمية ؟

من ضمن الأسئلة التي تطرح اليوم، وفي ظلّ الاتفاق النووي الايراني وابداء الشركات الأميركية رغبتها بدخول السوق الايرانية، كيف تعلن الولايات المتحدة عقوبات بوجه حزب الله، ولماذا؟ ثمّة من يجيب انّ هذه العقوبات ربما تكون جزءاً من المد والجزر في عملية المفاوضات القائمة فيما خصّ الشركات الأميركية. ربما يكون ضرب البيئة الحاضنة لحزب الله، والمقرّبة من ايران، جزءا من عملية تحسين شروط دخول الشركات الأميركية الى إيران، أو ربما دخول الشركات الأميركية على خطّ إعمار العراق. جدير بالذكر أنّ عدداً كبيراً ممّن طالتهم العقوبات الأميركية ضدّ حزب الله في المراحل المختلفة هم رجال أعمال فازوا بمناقصات بوجه شركات غربية في مشاريع إعادة إعمار العراق ! أزمة العقوبات اليوم تلعب على الايقاع الإقليمي أكثر منه اللبناني على ما يبدو…

 

(بالتعاون مع صحيفة الإعمار والاقتصاد)

Author: Firas M

Share This Post On

Submit a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Top

Pin It on Pinterest

Share This

مشاركة

شارك هذا المقال مع صديق!