بعيداً من اي انتماءات سياسية أو حزبية أو طائفية، تقوم الثورة، هذه الثورة التي قد تكون غير كاملة في لبنان لأن منطق التبعية لطائفة أو زعيم لا يزال راسخاً في عقول الكثير من المواطنين .. ولكن جوع اليوم أعاد اللبنانيين الى الشارع غير آبهين بعواقب انتشار وباء كورونا ولا بأي التزامات مهما اختلفت انواعها، إنها ثورة الجياع!
انهيار سريع لليرة اللبنانية مقابل تحليق للدولار في السوق الرسمي والأخرى السوداء، ارتفاع غير مسبوق لأسعار المنتجات الغذائية والاستهلاكية الأساسية قبل الكماليّة، انخفاض مخيف لقيمة الأجور الشرائية .. تقاذف مضحك مبكي للمسؤوليات بين أقطاب الدولة، صمت سخيف مقابل ما يحصل، فقدان ثقة المجتمع الدولي، تفاوض على تقاسم الحصص وغيرها.. كلها أمور ساهمت بارتفاع نسبة الفقراء في لبنان والبطالة والجوع .. فكل شيء ارتفع سعره وهبط ثمن الإنسان إلى أبخس الأسعار!!
مع وصول الدولار في السوق السوداء إلى 7 آلاف ليرة لبنانية، وعطفا على المعطيات السابقة، عاد اللبنانيون الى الشارع. لم تعد أسباب اندفاعهم سياسية أو حزبية، بل بات الجوع يجمعهم، الخوف على مستقبل أولادهم يؤرقهم، العوز الى لقمة يسدون بها رمقهم .. يقلقهم.
لم يعد يعنيهم – على الأقل فئة كبيرة منهم – لا الحريري ولا دياب ولا جعجع أو باسيل أو فرنجية.. لا الكتائب ولا غيرها، فقد تخطّى الامر حدود التضحيات التي قدمها الشعب لزعمائه، فقد المواطنون الثقة بكل شيء وكل شخص او زعيم أو متملق أو متزلّف ، فقدوا الثقة بوطنهم، بحاضرهم ومستقبلهم.
في القرن الواحد والعشرين بات همّ الشعب اللبناني الوحيد إبعاد شبح الجوع عنه وعن أولاده، حُرم من مجرّد التفكير بالغد، سُرق منه الحلم بأن الآتي قد يكون أفضل، انتُزع الأمل من صميم قلبه وضميره فانهارت كل القيم الإنسانية ، إنهار أهم أسباب الحياة، إنهار الإنسان، فقامت ثورة الجياع.
ثورة، قد نجد من يسيّسها، ومن يحاربها، لكن المطالب التي جمعت المواطنين حولها لا يمكن تسييسها، فالجوع والفقر لم يستثنيا احد، لا خيمة فوق رأس أي كان وإلى أي طائفة أو حزب انتمى، ألجوع هو عرّاب هذه الثورة.
لم يعد للمواطن اللبناني ما يخسره بعد الآن، فهو لم يعد لديه بالأساس ما يملكه ليقدّمه كرامة زعيم او طائفة، خسر وظيفته، مستقبله، صودرت امواله شقاء عمره الذي فناه لضمان شيخوخة تقاعست الدولة عن ضمانها، خسر كرامته بالاستماتة للدفاع عن زعماء لم يكرّموه يوما كانسان بل استعملوه ليصلوا هم إلى مناصبهم. خسر أمله وضاعت أحلامه وقد يكون خسر إيمانه!
هي لحظة فجور سياسي لا يمكن واجهتها إلا بفجور شعبي، فالبلد لنا، نحن الشعب، نحن الذين انتخبناهم، نحن من اختارهم وكبّر الهالة فوق رؤوسهم، وحان الوقت لمحاسبتهم على أساس المتّهم مجرم إلى ان تثبت براءته، ونحن الشعب من يجب ان يعطي البراءة لمن يستحقها ويلقّن السارقين درسا يكون عبرة لغيرهم من من سيحاول سرقة مستقبلنا ومستقبل اولادنا من جديد..