إستقبل الأردنيون عام 2019 بالمزاج الشعبي الغاضب الذي طَبَع العام المنصرم وشهد الخميس الأول من العام الجديد تحركاً إحتجاجياً جديداً ضمن سلسلة التحركات التي بدأت في كانون الأول ديسمبر وتقرّر أن تُجرى كلّ يوم خميس. أكثر من 200 شخص شاركوا في وقفة إحتجاجية أمام مقر الحكومة الأردنية للتنديد بغلاء المعيشة وزيادة الضرائب واستمرار النهج الاقتصادي القائم على زيادة الضرائب ورفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية.
“تحرّكات الخميس”
إنه الأسبوع السادس على التوالي، لسلسلة التحركات الاحتجاجية المنددة بالظروف الاقتصادية، وبأداء الحكومة والبرلمان على حد سواء. فمنذ مطلع كانون الأول ديسمبر يدعو ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى الاحتجاج أيام الخميس من كل أسبوع للمطالبة بتعديل السياسات الحكومية القائمة على زيادة الضرائب عملاً بـ “نصائح” المؤسسات الدولية ولا سيما صندوق النقد الدولي. وكانت سلسلة أخرى من التحركات قد سبقت “تحركات الخميس” وارتبطت بقانون ضريبة الدخل وأدّت في حزيران يونيو الماضي إلى استقالة حكومة هاني الملقي بضغط من الشارع، ما يطرح تساؤلات عن مصير حكومة عمر الرزاز الحالية في ظل استمرار التحركات الرافضة للصيغة المعدلة من قانون ضريبة الدخل إضافة إلى الإجراءات الاقتصادية الأخرى.
وكانت حكومة هاني الملقي قد استهلت عام 2018، برفع ضريبة المبيعات بمقدار 6% على البنزين بنوعيه (90 أوكتان و95 أوكتان). كما رفعت ضريبة المبيعات على 164 سلعة إستهلاكية إلى 10% فيما أخضعت سلعاً أخرى كانت معفاة من الضريبة، لضريبة مبيعات بنسبة 4% و5% وبررت الحكومة يومذاك خطوتها هذه بالحاجة إلى زيادة إيراداتها المالية، وتحقيق ما يفوق 500 مليون دولار بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وعن سبب لجوء الحكومة إلى صندوق النقد الدولي رغم كون “الإصلاحات” التي يطلبها غير شعبية ومثيرة لغضب المواطنين (مصر وتونس نموذجاً) أوضح الخبير الاقتصادي الأردني د. مازن إرشيد لـ”روسيا الآن” أن الحكومة أرادت الحصول على “شهادة” من الصندوق لطمأنة الجهات المقرضة (الدول، المؤسسات الدولية، الكيانات على غرار الاتحاد الأوروبي) فقبلت بالعملية التصحيحية للاقتصاد وفق رؤية الصندوق للحصول على تقييم إيجابي يطمئن المقرضين المحتملين ولا سيما أن الأردن بحاجة ماسة إلى السيولة بعدما وصل الدين العام إلى مستوى قياسي يلامس 40 مليار دولار.
علماً أن بينات وزارة المالية الأردنية تظهر ارتفاع إجمالي الدين العام الأردني (الداخلي والخارجي) بنسبة 4.4% على أساس سنوي في الأشهر العشرة الأولى من عام 2018 وبلوغه 28.48 مليار دينار (40.15 مليار دولار) ما يمثل 94% من إجمالي الناتج المحلي.
ما أبرز السلع التي ارتفع سعرها في الأردن؟
1- الخبز: رفعت الحكومة الدعمَ عن الخبز بنسبة 100% واستبدلته بتوجيه الدعم لمن وصفتهم بالـ “مستحقين”
2- النقل: رفعت الحكومة أجور النقل العام بنسبة 10% في شباط فبراير وشملت حافلات النقل العام المتوسطة الحجم والكبيرة، وسيارات التاكسي والأجرة (السرفيس) العاملة على جميع الخطوط.
3- السيارات: رفعت الحكومة الرسوم على السيارات المستوردة، لمرة واحدة وبمبلغ مقطوع يراوح بين 500 دينار (704.4 دولار) و1500 دينار (2113.2 دولار) بحسب وزن السيارة وقوة محركها.
4- المواد الغذائية والدوائية: غالبيتها خضعت لضريبة المبيعات بنسبة 10%
5- الحلي والمجوهرات والحقائب: غالبيتها خضعت لضريبة المبيعات التي تراوح نسبتها بين 4% و5%
ضريبة الدخل
قررت حكومة رئيس الوزراء الأردني السابق هاني الملقي، تعديل قانون ضريبة الدخل لتوسيع شريحة الخاضعين للضرائب، ما دفع المواطنين إلى التداعي عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتظاهر والاحتجاج على القرارات التي تزيد العبء عليهم. فشهدت محافظات الجنوب، معان والطفيلة، تظاهرات متصاعدة للمطالبة بإلغاء قانون ضريبة الدخل كما شهدت العاصمة عمّان تظاهرات مركزها الأساسي محيط الدوار الرابع حيث مقر الحكومة.
أدت التظاهرات إلى استقالة حكومة هاني الملقي في حزيران يونيو وتكليف عمر الرزاز الذي كان يشغل منصب وزير التربية والتعليم، بتشكيل حكومة جديدة وإعادة النظر بمشروع القانون الضريبي المثير للجدل.
أدخلت حكومة الرزاز تعديلات بسيطة على القانون وأقرّته في تشرين الثاني نوفمبر الماضي ودخل حيّز التنفيذ مطلع 2019 وهدفه تحصيل نحو 100 مليون دينار (141 مليون دولار).
وعلى الرغم من التعديلات التي أُدخلت عليه، ما زال الأردنيون يرفضون قانون ضريبة الدخل ويطالبون بإسقاطه نهائياً.
موازنة 2019
أقرت حكومة الأردن مشروع موازنة 2019 واعتبرتها “تقشفية”، بحجم نفقات 9.3 مليارات دينار (13.1 مليار دولار)، وإيرادات بقيمة 8.6 مليارات دينار (12.1 مليار دولار).
وأقر البرلمان البرلمان الأردني موازنة 2019 بعد موافقة 60 نائباً من أصل 105 بعد جلسات استمرت 4 أيام. ويظهر من بنود الموازنة أن “العجز في مشروع قانون الموازنة لعام 2019 ارتفع 100 مليون دينار أردني (أكثر من 140.8 مليون دولار) مع توقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بنسبة 2.3% لعام 2019”.
في هذا السياق يشير د. إرشيد إلى أن رئيس الحكومة الجديد لم يستطع الوفاء بتعهداته التي أطلقتها منذ 6 أشهر عند تكليفه، ولا سيما ما يتعلق بكبح جماح النفقات الإجمالية، لأنها ارتفعت بنسبة 9% إلى 13 مليار دولار وهي قيمة مرتفعة جداً فيما كان مفترضاً إدّخار هذه الأموال لتخفيف العجز الذي بلغ 2 مليار دولار تقريباً قبل المِنح الخارجية التي يُتوقع أن تقلّص العجز إلى 900 مليون دولار.
سعر الفائدة
رفع البنك المركزي الأردني في 2018 سعرَ الفائدة، أربع مرات خلال عام 2018، إلى 4.75% كما رفع سعر نافذة الإيداع لليلة واحدة إلى 4% وقرر السماح للأفراد بإعادة جدولة قروض التجزئة بحيث تمتد إلى 10 سنوات بدلا من 8 سنوات من تاريخ منح القرض أو جدولته. علماً أن خيار رفع أسعار الفائدة يأتي عادةً في موازاة ارتفاع نسبة التضخم (زيادة أسعار السلع والخدمات) وهدفه رفع سعر الأموال كي يتراجع الاقتراض ويقل الإنفاق، فينخفض التضخم. غير ان الوضع في الأردن مختلف قليلاً، إذ يوضح الخبير الاقتصادي د. مازن إرشيد أن ربط الدينار الأردني بالدولار يحتم رفع أسعار الفائدة في الأردن كلما تم رفعها في أميركا من قبل الاحتياطي الفدرالي الأميركي على الرغم من كون النمو الاقتصادي في الأردن ضعيف جداً خلافاً لما هو عليه في الولايات المتحدة. ويضيف إرشيد أن الواقع في الأردن أشبه بالكساد التضخمي بسبب نسبة النمو المنخفضة جداً في السنوات الأخيرة حيث لامست 1.9% العام الماضي مقارنة بمتوسط نمو بين عامي 2005 و2009 بلغ 6.5% وبالتالي إن رفع أسعار الفائدة على أدوات الدين هدفه جعل الدينار أكثر جاذبية أمام الدولار وتحفيز المودعين للابقاء على ودائعهم بالعملة الأردنية.