الأول من حزيران هو يوم الصناعة الوطنية في لبنان. في هذه المناسبة إلتقى موقع “روسيا الآن” وزير الصناعة اللبناني حسين الحاج حسن في مكتبه في الوزارة، للحديث عن واقع قطاع الصناعة والعثرات التي يواجهها هذا القطاع الحيوي الذي يُفترض أن يكون قاطرة النمو والنهوض بالاقتصاد.
أوراق وملفات كثيرة تملأ طاولة الاجتماعات. يقرأها الوزير بتأنٍّ، يعرّبها، ويكتب الملاحظات أو يضع الإشارات عليها. يقول إنها متابعات لمواطنين لجأوا إليه كنائب (عضو كتلة الوفاء للمقاومة) أو كوزير للصناعة. يتابعها بنفسه قبل أن يعطي توجيهاته لفريق العمل ليتأكد من اكتمال الملفات ودقة المعلومات. كيف لا وهو يعمل في وزارةٍ تكاد تكون بلا صلاحيات، ويدعو صراحة إلى دمجها مع وزارة الاقتصاد!
“دستورياً، لا يملك وزير الصناعة صلاحية التوقيع إلا على أمرين فقط يتعلقان بإعطاء الرخص، إنها صلاحيات الحد الأدنى” يقول الحاج حسن. يضيف وهو يسترق النظر إلى هاتفه “هذا هو الواقع منذ تأسيس الوزارة عام 1998، لذلك كل ما أستطيع فعله هو متابعة شؤون المواطنين، والصراخ على المنابر وإحداث الضجيج للفت الانتباه إلى قضايا الصناعيين، وإرسال الكتب والشكاوى للوزارات التي تملك صلاحيات أوسع”.
في الواقع، قدمت وزارة الصناعة في عهد الحكومة الحالية 16 شكوى إلى وزارة الاقتصاد تتعلق كلها بإغراق السوق اللبنانية بسلع صينية وتركية وعربية (مصرية تحديداً) وبالإضرار بالمنتَج المحلّي الذي يضاهي المنتَج المستورد ويتفوق عليه في بعض الأحيان وفق تأكيد الحاج حسن، الذي يختصر أزمة الصناعة اللبنانية بالقول إنها “ضحية سياسات اقتصادية خاطئة سمحت للمنتجات المستوردة بمنافسة المنتَج المحلي في سوقه، وأعاقت تصديره إلى الخارج من خلال اتفاقيات تجارية غير متكافئة”.
يطرق الوزير بإصبعه على الطاولة ويقول “سندفع ثمناً باهظاً لخياراتنا الخاطئة” ! يكرر الحركة ويعيد القول: “سيكون الثمن باهظاً جداً لأننا أهملنا الصناعة والزراعة. الاقتصاد كله متضرر من اختلال الميزان التجاري”.
وصل عجز الميزان التجاري عام 2016 إلى نحو 16 مليار دولار ويبلغ إجمالي حجم الصادرات اللبنانية 2.8 مليار دولار فقط وهو أقل بنحو مليار ونصف مليار دولار مما كان عليه عام 2011 تاريخ اندلاع الحرب في سوريا. لكن الحاج حسن يرفض تحميل الأزمة السورية المسؤولية الكاملة عن هذا التراجع، ويقول إنها “لعبت دوراً سلبياً ولا سيما أنها أعاقت تصدير السلع براً إلى الأردن والعراق، لكنها تمثل سبباً واحداً من جملة أسباب، إذ لا يجوز لبلد حجم ناتجه المحلي 52 مليون دولار وحجم دينه 72 مليار دولار أن يقبل بعجز في الميزان التجاري يقارب الـ 16 مليار دولار. هذه الأرقام تؤكد أننا نتبع سياسات خاطئة تصب في مصلحة التجار على حساب المصنعين والمزارعين والقطاعات الإنتاجية الأخرى”، ويصف هؤلاء بالضحية العاجزة أمام لوبي التجار ونفوذه.
الرجل المنهمك بأعماله اليومية وبمتابعة المستجدات والأخبار العاجلة، يتحدث باقتضاب ودبلوماسية. متابعته الحثيثة لشؤون وزارته تجعله مدركاً للأمراض التي تفتك بالصناعة الوطنية كما تجعله قادراً على تحديد الأسباب، لكنه يرفض تحديدها أحياناً ويكتفي بالابتسام أو الإجابة ممازحاً “إنتِ السبب!”
يقول الحاج حسن: “وحدها صناعة الكابلات والترابة بخير في لبنان”. ولدى سؤاله عن السبب، يكتفي بالإجابة “لأنها محمية” ويرفض شرح المزيد، رغم أن المتابعين والعارفين بما يدور في الكواليس يتحدثون دائماً عن شبه احتكار يمارسه رجل سياسي بارز، هو نائب ووزير سابق ورئيس حزب، في هاتين الصناعتين ويقولون إنه لعب دوراً أساسياً في إصدار قرار يمنع استيراد الكابلات والترابة من الخارج!
يؤكد الحاج حسن أن “صناعتنا مأزومة. صناعة الألبسة والأحذية، البلاستيك، الورق، المواد الغذائية، الأدوية، المنظفات… كلها تعاني من ارتفاع تكاليف الإنتاج ومن صعوبة في تصريف الإنتاج”.
ويعطي الوزير الحاج حسن مثالاً عن مشاكل الصناعيين بالقول إن وفداً من مصنعي المنظفات المنزلية زاره منذ أيام وقال له إن الطاقة الإنتاجية لمصانع المواد المنظفة تصل إلى 80 ألف طن لكنها لا تنتج إلا 30 ألفاً فقط بسبب استحالة تصريف الإنتاج في ظل المنافسة الشرسة من قبل المنتجات المستوردة وصعوبة التصدير.
أما عن المطلوب لإنقاذ الصناعة الوطنية فيقول “يجب فرض رسوم نوعية على المستوردات وزيادة الصادرات إلى الخارج من خلال اتفاقيات تجارية عادلة. دستورياً أنا غير مسؤول عن الاتفاقات التجارية وهي منوطة بوزارة الاقتصاد والتجارة، إلا أنني أنسق بشكل دائم مع وزير الاقتصاد الذي يظهر الكثير من الإيجابية لكن شيئاً لم يتحقق بعد. من ناحية أخرى، يجب دعم الصناعيين أسوة بالدول الأخرى التي تقدم لهم الأراضي بأسعار تفضيلية وتدعم أسعار الكهرباء والفيول والنقل وتنظم اليد العاملة وتدعم الصادرات”.
عن المفاوضات الأخيرة مع روسيا من جهة، والاتحاد الاوروبي من جهة ثانية، أوضح الحاج حسن أن التفاوض مع روسيا مستمر لكنّ دونه عقبات أساسية أبرزها صعوبة التحويلات المالية وصعوبة التواصل من خلال اللّغة إضافة إلى ضعف العلاقات البينية. أما عن الاتحاد الأوروبي فانتقد الحاج حسن العوائق والشروط التي يفرضها الاتحاد على السلع اللبنانية بحجة انها لا تستوفي المواصفات علماً أنه يرفض إخضاع منتجاته لمثل هذه الشروط! “الجهات الأوروبية فرضت 83 فحصاً مخبرياً على العسل اللبناني، هل كان العسل الأوروبي سيدخل سوقنا اللبنانية لو فرضنا عليه هذه الفحوص المخبرية نفسها؟” يسأل الحاج حسن.
لكن السؤال بالنسبة لنا هو لماذا لم يطبق لبنان مبدأ المعاملة بالمثل ويرفع سقف الشروط لاستيراد السلع الاوروبية ولا سيما تلك التي تنافس المنتَج المحلي قردّ الحاج حسن “لأن دعاة حرية التجارة لا يقبلون بذلك وهم يتمتعون بنفوذ أكبر من نفوذ وزارة الصناعة”.
إذاً في ظل اضطراب الأوضاع الأمنية والاقتصادية في الأسواق التقليدية للبنان، وأبرزها سوريا والعراق ودول الخليج، يبدو لبنان متعثراً على طريق البحث عن أسواق جديدة. ورسالة وزير الصناعة اللبنانية، للصناعيين والمستهلكين على حد سواء، هي “الصمود والمقاومة، في وجه اجتياح السلع المستوردة”.