عندما عيّن دونالد ترامب الجنرال جيمس ماتيس وزيرا للدفاع, أفادت تقارير كثيرة بأن القائد العام الجديد (ترامب) وعد بمنح الجنرال ماتيس صلاحيات واسعة في تعيين موظفي البنتاغون. لكن يبدو أن هناك حدودا لحرية الحركة الممنوحة لوزير الدفاع الجديد في تعيين أشخاص يتعارض سجلّهم بوضوح مع سياسات الرئيس الجديد ودائرته الضيقة في البيت الأبيض.
ومثال على ذلك: السيدة آن بترسون, السفيرة الأمريكية السابقة لدي كولومبيا, والسلفادور, وباكستان, ومصر. أفادت التقارير في الأسبوع الماضي, أن الجنرال ماتيس رشح باترسون لشغل منصب مساعد وزير الدفاع لشؤون السياسة, وهذا المنصب يأتي في المرتبة الثالثة من حيث أهميته في وزارة الدفاع. وبينما لم يُتخذ قرار نهائي بعد, يواجه هذا الترشيح معارضة كبيرة من قِبل موظفي البيت الأبيض الكبار.
تتمحور أقسى الانتقادات الموجهة لباترسون حول علاقتها الوثيقة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر, ورئيسها السابق محمد مرسي, عندما كانت سفيرة الولايات المتحدة لدى مصر في الفترة الزمنية 2011-2013.
عندما اندلعت مظاهرات بسبب قمع حكومة مرسي للمتظاهرين, ورفض مرسي لتوسيع حكومته لكي تضم عناصر غير إخوانية لها, قبلت السفيرة باترسون دعوة في الثامن عشر من يونيو, 2013 للتعبير عن موقفها علانية بشأن الوضع الراهن. حيث قالت باترسون لجمهورها الحاضر في العاصمة القاهرة:” لا اعتقد أن الطبيعة المنتخبة لهذه الحكومة موضع شك” وأضافت ” أنا أشك كثيرا في أن تثمر المظاهرات في الشارع عن نتائج أفضل مما أنتجته الانتخابات” لكن بعد مرور أسابيع, نزل قرابة العشرين مليون متظاهر إلى الشوارع للمطالبة بعزل مرسي.
أتت تلك المظاهرات عقب شنّ الإخوان المسلمين لحملة قمع عنيفة استهدفت منتقدي النظام, ونشرهم عصابات شبه عسكرية تابعة لهم, وإقامة سجون سرية لتعذيب قادة المعارضة, فضلا عن رفضهم مناشدات حلفائهم لتوسيع الائتلاف الحاكم, تحقيقا لمطالب ثورة ميدان التحرير في مطلع عام 2011.
جاءت باترسون إلى مصر بصفتها سفيرا للولايات المتحدة بعد مرور أربعة أشهر على الإطاحة بالرئيس حسني مبارك, وعلى الفور نسجت باترسون علاقات قوية مع الإخوان المسلمين, ولكنها أبقت على خطوط الاتصال مفتوحة مع الجيش الذي كان يتولى حكم البلاد حينها.
أصبحت باترسون رمزا لسياسة إدارة أوباما التوددية تجاه الإخوان المسلمين, واعتبارهم قوة “معتدلة” داخل معسكر الإسلام السياسي. تلك السياسة تم تكريسها في وثيقة تُعرف ب ” التوجيه الرئاسي PSD-11″ لشهر أغسطس 2010, ولاحقا في وثيقة أخرى ” التوجيه الرئاسي PDD-13″ لشهر فبراير 2011. دعت تلك الوثائق للانفتاح على أفرع الإخوان المسلمين في مصر, وليبيا, وتونس, وسوريا. في ربيع عام 2011, أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عن انفتاح عام تجاه جماعة الإخوان المسلمين, كما وافقت لاحقا على زيارة وفد يضم قادة الإخوان المسلمين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لواشنطون.
وبتشجيع من السفيرة باترسون, أجرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون زيارة لمدة يومين لمصر في شهر يوليو عام 2012, وذلك بعد فترة وجيزة من الانتخابات الرئاسية التي شهدت فوز محمد مرسي على المرشح المدعوم من المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وكانت باترسون مجددا الواجهة العامة لإدارة أوباما, محذرة الجيش المصري من عواقب وخيمة إذا كان هناك دليل على تزوير الانتخابات ما يؤدي إلى هزيمة مرسي. حذرت جماعة الإخوان وقتها المجلس العسكري من أنه في حال خسر مرسي الانتخابات “فإن مصر ستتحول إلى ساحة حرب كبيرة, وأن الدم سيسيل أنهارا”, كما أخبر قائد في الجماعة الجيش صراحة.
عبّرت هيلاري كلينتون أثناء لقاء جمعها بمرسي في القاهرة عن دعمها الواضح لمرسي, وأوضحت أن واشنطون تعتبر الإخوان المسلمين مدافعين عن الديمقراطية في العالم الإسلامي:” نرغب في أن نكون شريكا جيدا لكم, ونحن ندعم الديمقراطية التي أنجزتها شجاعة وتضحيات الشعب المصري” كما نُقل عن كلينتون.
” الديمقراطية أمر صعب…فهي تتطلب حوارا وحلولا توفيقية وسياسات واقعية. نحن متشجعون ونرغب في تقديم المساعدة. ولكننا نعلم أن القرار لا يعود للولايات المتحدة, ولكنه يعود للشعب المصري.”
بعد مرور ستة أشهر, تحرك الإخوان لتعزيز سلطاتهم الديكتاتورية عبر قمع كل أطياف المعارضة. هذا القمع, فضلا عن فشل حكومة مرسي الإخوانية في تحسين الاقتصاد المصري, أدى, بعد عام من فوز مرسي, إلى تدفق المصريين بشكل غير مسبوق للشوارع, مطالبين بإزاحة الإخوان عن السلطة.
وبدلا من أن تتحمل عواقب سوء تقديرها بشأن قدرة الإخوان المسلمين على تقاسم الحكم مع القوى السياسية الأخرى التي قادت مظاهرات التحرير في عام 2011, تم ترقية آن باترسون لمنصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى, وهو منصب ظلت محتفظة به حتى تقاعدها من وزارة الخارجية قبل أيام من رحيل أوباما من السلطة في يناير 2017.
إن اختيار الجنرال ماتيس لباترسون لشغل هذا المنصب السياسي المهم في وزارة الدفاع هو نتاج علاقة العمل الوثيقة التي ربطتهما أثناء عمل باترسون كسفيرة للولايات المتحدة في باكستان في الفترة 2007- 2010, ولاحقا أثناء شغلها منصب السفير في مصر. كما أن الجنرال “جون كيلي”, وزير الأمن الوطني الحالي, والذي رأس القيادة العسكرية الأمريكية الجنوبية قبل اختياره لشغل منصبه الحالي, والمقرّب أيضا من وزير الدفاع ماتيس, كان هو الآخر على صلة بآن باترسون في بداية حياتها الوظيفية كسفيرة في السلفادور (1997-2000) وكولومبيا ( 2000- 2003). لقد خدمت باترسون لفترة وجيزة في كولومبيا أثناء حكم الرئيس “ألفارو أوريبي”, الذي اتخذ موقفا متشددا تجاه منظمة فارك المتمردة. وأثناء شغله منصب قائد المنطقة الجنوبية, كان الجنرال كيلي من أقوى الداعين لتبنّي نهج صارم ضد منظمات تجارة المخدرات الكولومبية, بما في ذلك حركة فاركة اليسارية المتمردة.
وأيا تكن الأسباب التي دفعت الجنرال ماتيس لترشيح باترسون لشغل هذا المنصب, فإن باترسون تواجه معارضة قوية من جانب مجموعة أساسية داخل البيت الأبيض, تتركز في “مجموعة المبادرات الإستراتيجية” Strategic Initiatives Group, وهي مجموعة قوية, لكن غير رسمية من المستشارين الرئاسيين يقودها كبير المخططين الإستراتيجيين في البيت الأبيض “ستيف بانون”, وتضم أيضا مستشار الرئيس لمكافحة الإرهاب سباستيان جوركا, والمساعد الخاص للرئيس ستيف ميلر, فضلا عن كريس ليدل, مدير تنفيذي سابق لأحدى الشركات الكبرى.
في شهر فبراير, أفادت وسائل الإعلام أن الرئيس ترامب يدرس فرض حظر على الإخوان المسلمين, وعلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. في الثامن من فبراير, 2017, نقلت إذاعة صوت أمريكا عن “بانون”, وهو من أشد المدافعين عن قرار الحظر, وصفه الإخوان المسلمين بأنهم ” أساس الإرهاب في العصر الحديث.” كما يدافع سباستيان جوركا أيضا بقوة عن نفس الإجراء, وأثناء جلسة الاستماع لإقرار تعيينه وزيرا للخارجية, أخبر ريكس تيلرسون لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بأن هزيمة تنظيم الدولة (داعش) النهائية سوف ” تسمح لنا بتركيز اهتمامنا على عملاء الإسلام المتشدد الآخرين, من أمثال القاعدة, والإخوان المسلمين, وعناصر محددة في إيران.”
عندما كانت آن باترسون تشغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في عهد الرئيس أوباما في نوفمبر عام 2015, عارضت تشريعا قدمه عضوي مجلس الشيوخ تيد كروز, ومايكل ماكول, كان يدعو لتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة أجنبية إرهابية, متذرعة بأن هذا التصنيف يتعارض مع توجيهات وزارة الخارجية.
ترجمة – شهاب ممدوح
المصدر – ميدل إيست بريفنج