خرجت العناوين الأولى لنشرات الأخبار في التلفزيونات الفرنسية، في الأيام الماضية، قليلاً عن الانشغال الأهم حالياً لدى الفرنسيين وهو الانتخابات الرئاسية. ولكن، حتى حين حدث ما يستوجب الخروج عنها وإزاحتها لأيام عن المراكز الأولى لم يستطع أي حدث أن يزيحها تماماً. وهكذا كانت لحوادث سورية، من القصف بالمواد الكيماوية وما تلاه من ضربة أميركية لمطار عسكري سوري، أهميتها كحوادث ولكن أيضاً بما لها من تأثير في الحملة الانتخابية. وعنونت نشرات إخبارية: سورية «تدعو نفسها» في الانتخابات الفرنسية و «سورية في قلب الحملة الانتخابية»، وهرعت عدسات المحطات التلفزيونية لتلاحق المرشحين في اجتماعاتهم ولقاءاتهم مع الناس لاستقصاء مواقفهم في ما حدث أخيراً هناك.
وأظهرت النشرات أن المأساة السورية منذ بداية الحملة الانتخابية كانت موضع خلاف بين المرشحين، فصحيح أنهم جميعهم دانوا القصف بالكيماوي، لكنّ مواقفهم لحل الصراع كانت متباينة، كذلك موقفهم من الضربة الأميركية حيث تراوحت بين دعم مرشحي اليسار ماكرون وهامون وانتقاد من مارين لوبان(يمين متطرف) وميلانشون(أقصى اليسار) وحذر من مرشح اليمين فيون.
وعلى صعيد آخر، تطرق بعض المحطات ومنها «سي8» إلى تصويت المسلمين في الانتخابات الفرنسية. وكرس برنامج «تحية إلى سكان الأرض» نقاشاً حول «هل يوجد تصويت مسلم في فرنسا»؟ وعرض تقريراً سريعاً تبين منه أن 86 في المئة من المسلمين صوتوا في 2012 لمصلحة فرنسوا هولاند، ما منحه 1.5 في المئة إضافية. ولكن إن شكلت تلك نسبة ضعيفة فإنها لا تبدو كذلك حين نعرف أن هولاند فاز بهذا الفارق بالضبط على منافسه ساركوزي! فهل كان تصويت المسلمين هو الذي قلب الموازين؟ يؤكد التقرير أن المسلمين صوتوا «ضد» ساركوزي أكثر من تصويتهم «مع» هولاند وأنهم اليوم مثل كل الفرنسيين خائبو الأمل من ولايته، فقد فشل في خفض أعداد العاطلين من العمل وخان وعدين له يتعلقان بتدخل الشرطة وتحققها من الهويات وإعطاء الحق بالتصويت للأجانب. وبيّن التقرير أن تكريس هولاند جهده لإقرار قانون الزواج المثلي قد أبعد شريحة واسعة من مسلمي فرنسا عن الاشتراكيين. كما أشار التقرير إلى استخدام رجال السياسة بعض التصريحات الديماغوجية لجذب الناخب المسلم كما فعل ماكرون أخيراً بإعلانه أن الاستعمار هو جريمة ضد الإنسانية.
والتقى البرنامج بعد هذا برئيس جمعية مناهضة للكراهية ضد المسلمين وبصحافية وكاتبة من أصول مهاجرة واتفق الثلاثة على عدم وجود تصويت «مسلم» في فرنسا، إذ لا توجد حقاً جالية مسلمة بالمعنى الاجتماعي والديموغرافي وكل مسلم يصوت وفق ظرفه الاجتماعي. وكان النقاش الحامي بين السيدتين والرجل دليلاً قاطعاً على عدم وجود تمثيل حقيقي لمسلمي فرنسا. واتهمت إحداهما رئيس الجمعية بأنه دجال يحصر المسلمين في خانة الضحية وهم ليسوا بضحايا بل يتمتعون بكل ما يتمتع به الفرنسيون وأن مثل هؤلاء الذين يريدون نشر عقيدة الإخوان المسلمين في الغرب يريدون السيطرة سياسياً عبر سيطرتهم على المسلمين والحديث باسمهم.