تظل سوريا غارقة في الصراع رغم الجهود الدولية المتكررة لوقفها منذ عام 2011. وقد فشلت التحركات الأخيرة للتوصل إلى تسوية من خلال المفاوضات في تقديم وسيلة للإشراف على عملية وقف إطلاق النار، وتركت قوات الرئيس بشار الأسد حرة في متابعة الاستيلاء على البلدات التي تسيطر عليها المعارضة بطريقة مجزأة، كما يقول روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق لدى سوريا. وفي الوقت نفسه، فإن الإدارة الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد ورثت حملة عسكرية ضد تنظيم داعش، يضيف فورد، ولكن ليست لدى الولايات المتحدة ولا روسيا أية خطة لمعالجة الجذور الكامنة وراء التمرد. وفي السنوات المقبلة، يقول فورد: “من الأسهل أن نتصور تجزئة البلاد من أن تعود موحدة مرة أخرى.”
السطور التالية هي حوار أجراه مجلس العلاقات الخارجية مع “روبرت فورد” السفير الأمريكي السابق لدى سوريا.
أفاد ترامب بتقديمه بعض الدعم للمناطق الآمنة كأماكن يمكن أن يعود إليها اللاجئون السوريون. هل هذا اقتراح معقول؟
فورد: وهناك بالفعل بعض المناطق الآمنة [التي لم تهاجمها قوات الحكومة السورية]. وتضم المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة السورية المدعومة من تركيا والتي تحارب تنظيم داعش في شمال وسط سوريا في إطار عملية “درع الفرات”. وهي تمتد حوالي عشرين ميلا إلى شمال سوريا من الحدود التركية. ولم تهاجمها روسيا ولا الحكومة السورية، وقد أقامت تركيا إدارة مدنية في بلدة جرابلس الحدودية. وهناك في الشرق منطقة مشابهة حيث توجد قوات مدعومة أمريكيًّا، ومعظم هذه القوات من الاكراد التابعين لقوات سوريا الديمقراطية التي تقاتل ضد داعش.
وهناك مكانان فقط يمكن أن أتصور إنشاء منطقة آمنة جديدة فيهما وهما: إدلب، في شمال غرب سوريا، أو في الجنوب على طول الحدود الأردنية. وقالت روسيا إنها تريد أن توافق الأمم المتحدة والحكومة السورية عليها، لذلك سيكون من المرجح أن يتم التفاوض في هذا الشأن. وآخر شيء يريده الأمريكيون هو خطر المواجهة المباشرة بين الطائرات الروسية والأمريكية.
ويبدو أن هذا لم يتطور بشكل جيد. إذا لم يقيموا مناطق آمنة، فكيف سيدعمون اللاجئين؟ وكيف ستتدفق المساعدات؟ ومن سيديرها؟ هناك الكثير من الأفعال أكثر من مجرد القول إننا نريد أن يذهب اللاجئون إلى هناك. لماذا سيذهبون؟ ينبغي أن يتوفر لديهم هناك الغذاء والمياه والصرف الصحي.
منطق آخر في التفكير بشأن إقامة مناطق آمنة وهو أنها ربما تغير ديناميات المحادثات السياسية، فهي تسرع التوصل إلى حل للصراع. هل هذه الحجة قوية بما يكفي؟
فورد: ولا أي شيء. ومع مرور الوقت، فإن تخميني هو أن المناطق الآمنة تتضمن اتخاذ مزيد من العمليات العسكرية، لأن حكومة بشار الأسد أوضحت أنها تعتزم استعادة سوريا كاملة. وفي حين أنها قد توافق على إقامة المناطق الآمنة في منتصف عام 2017، فإن موقفها في 2018 أو 2019 قد يكون مختلفًا تمامًا.
هل الأسد حقا في موقف يمكنه من استعادة السيطرة على كامل سوريا؟
فورد: إنه جاد حول هذا الموضوع. وتفهم حكومته أن الأمر ربما يستغرق عشر سنوات، ولكن ليس لديها الضغوط الزمنية نفسها، مثل الدورات الانتخابية، التي تعمل الدول الغربية وفقها.
ولكن الأسد لديه مشاكل كبيرة. الوضع الاقتصادي في المناطق التي يسيطر عليها متردي. وسعر الصرف هو واحد على عشرة مما كان عليه قبل ست سنوات، وأصبحت الطبقة الوسطى السورية فقيرة جدًا. ولم يعد الجيش السوري وظيفيًّا كما كان من قبل. حيث أصبح يعتمد أكثر وأكثر على الميليشيات، ويعتمد الأسد على القوى التي تقوم إيران بتعبئتها. فيما تحاول روسيا إعادة بناء أجزاء من الجيش السوري الآن، ولكن مثلما وجدت الولايات المتحدة الأمر صعبًا في العراق، ستجده روسيا في سوريا.
منذ عام أو عامين، كان موقف الأسد يبدو أكثر وهنًا. ولا أعتقد أن أحدا يفكر الآن في أنه على وشك أن يُجبر على ترك منصبه. فمن جهتها، قررت تركيا أن الأكراد السوريين يشكلون تهديدا أكبر من الأسد، وهو ما يعضد موقف الأسد.
هل تدعم روسيا مطالب الأسد القصوى؟
فورد: إنها تريد حلا سياسيا، ولكن لا أعتقد أن لديها نفوذ لوقف الأسد من المجازفة. أما الإيرانيون فهم ،على النقيض، يدعمون مجازفات حكومة الأسد. فهذه حرب القوات الأرضية أكثر من كونها حرب القوات الجوية. فالروس لديهم القوة الجوية، ولكنهم لا يرسلون الكثير من الرجال على الأرض، وبالتالي فإن النفوذ الإيراني هو الأكثر أهمية.
تراجعت تركيا عن موقفها بضرورة “رحيل الأسد”. ماذا تطمح إلى تحقيقه من خلال هذه العملية الدبلوماسية؟
فورد: هدف تركيا الأول هو منع إقامة منطقة حكم ذاتي كردية في سوريا مثلما يتمتع به أكراد العراق. لم يكن هناك أي حدود [مثلما هو كائن الآن بين تركيا وسوريا] قبل نهاية الحرب العالمية الأولى، ومن الناحية اللغوية والقبلية والاجتماعية فالأكراد الأتراك والسوريين شعب واحد كبير. وتقلق تركيا من أن إقامة منطقة حكم ذاتي في سوريا ستجذب دعم أكراد تركيا، وهو ما يهدد السلامة الإقليمية التركية. هذا هو سبب غضب تركيا من الولايات المتحدة لدعمها الأكراد السوريين، وهذا هو سبب نشرها القوات. رغم أن آخر مرة أرسلت فيها قواتها المسلحة من جانب واحد لدولة مجاورة كان منذ أكثر من أربعين عاما، وكان في قبرص.
ماذا ترى في نهج إدارة ترامب ؟
فورد: لن تتجه للإطاحة بالأسد، وهو ما يجعل الأمر منطقيًّا عند هذه النقطة، لأنه مع التدخل الإيراني والروسي، فلا يمكن أن يتم دون جهد أمريكي عسكري هائل لا يريده أحد.
وتقديري هو إدارة ترامب ستركز فقط على تنظيم داعش، ولكن لا أعتقد أن لديهم فكرة عن كيفية أن داعش هو مشكلة سياسية أكثر منه مشكلة عسكرية. وما زلت نسمع عن خطط لتسريع الحملة العسكرية، ولكن داعش هو أحد أعراض المشكلة الأكبر لسوء المعاملة و المظالم الشديدة التي يتعرض لها العرب السنة من غرب بغداد إلى طرابلس في لبنان. وإذا لم يوجد علاج لهذه المظالم، ستظهر دائمًا الجماعات الجهادية الجديدة. ولا أعتقد أن إدارة أوباما كانت قادرة على معرفة كيفية التعامل مع ذلك، رغم أنها أدركت ذلك فكريًّا.
ما رأيك فيما يقوله ترامب حوا إمكانية مشاركة القوات الأمريكية مع القوات الروسية في محاربة تنظيم داعش؟
فورد: أنا لست ضد عمل الأمريكيين والروس كفريق واحد عسكريا، إذا كان هناك بعض المزايا المحددة، ولكن المشكلة ليست في أن الحملة العسكرية ضد داعش قد أدت إلى زيادة القنابل الملقاة في سوريا. وأصبح القتال صعبًا في العديد من المناطق، مثل الموصل، ولم يكن ذلك بسبب عدم وجود القوة الجوية الكافية. ولكن القوات الأرضية هي القضية ذات الأهمية الأكبر. ومن غير الواضح لي أن الروس يمكنهم أن يساعدوا في ذلك، والفكرة التي تسعى لها روسيا، من إمكانية تعاون المتمردين المعتدلين مع بشار الأسد ضد تنظيم داعش، هي ضرب من الخيال. فبقدر ما يكره المتمردون المعتدلون تنظيم داعش، فهم يكرهون الأسد وحكومته، التي قتلت من المدنيين في عام 2016 أكثر مما قتلهم تنظيم داعش ثماني مرات.
ولا أرى أن الروس عالجوا المشكلة السياسية الأساسية. فقد وضعوا مسودة دستور في الأستانة والتي تنطوي على قدر كبير من الهندسة الاجتماعية: حيث تتضمن إقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد، حذف كلمة “العربية” من الاسم الرسمي للجمهورية العربية السورية، والقول بأن سوريا بحاجة إلى اللامركزية وإعطاء المجالس المحلية مزيدًا من السلطة. ولكن سوريا منذ نشأة الدولة تقوم على المركزية بشكل كبير. وقد حاول الأمريكيون شيئا من هذا القبيل في عراق صدام حسين مع وجود 170 ألف جندي أمريكي هناك، ولم يتمكنوا من ذلك. وقد رفضت حكومة الأسد بالفعل أجزاء كبيرة من هذه المسودة، ولا أعتقد أن إيران مهتمة بهذه المسودة.
هل وافقت جماعات المعارضة التي حضرت المحادثات على ذلك؟
فورد: كان اعتراض المعارضة الأول على المشروع الروسي في أنه سيترك بشار الأسد في منصبه. كما أنها أيضًا لا تريد الحكم الذاتي لأكراد سوريا، لأنها تعتقد أن هذا النوع من اللامركزية يعمل على تمزيق الدولة السورية.
هل هناك نتائج معقولة لهذه العملية السياسية يمكن أن تقبلها المعارضة؟
فورد: من المبكر جدا قول ذلك. إذا لم تتغير شروط الصفقة، فلن توافق إيران عليها، كما أن وقف اطلاق النار سيتيح الفرصة للجماعات المختلفة للسيطرة على مختلف المناطق: الأكراد السوريون في شمال شرق البلاد. والجيش السوري الحر في الجنوب بين دمشق والأردن. وحتى في إدلب الإسلاميين أكثر صعوبة وتشددًا، بما في ذلك الجماعة التابعة لتنظيم القاعدة، والتي تخوض الآن معاركها مع الإسلاميين الأكثر اعتدالا والجماعات العلمانية. ولذلك فمن السهل أن نتصور تقسيم البلاد أكثر من عودتها موجدة مرة أخرى.
ولن يوقع أحد اتفاقًا سياسيًّا لتقسيم سوريا. ولكن التقسيم الواقعي يعتمد على قدرة الحكومة السورية على المجازفة، وبالتالي فإن التكهن سيكون حول استمرار الصراع ، حتى لو كان على نطاق أصغر مما كان عليه في عام 2015 وعام 2016، مع استيلاء الحكومة السورية على قرية تلو أخرى وصولاً إلى إدلب أو حماة، حيث لا تزال المعارضة تسيطر على الأرض، فيما يستمر القتال ضد تنظيم داعش في شرق سوريا. وربما يتراجع حجم المأساة الإنسانية، إلا أن سوريا لن تكون بالتأكيد بلدًا يعيش في سلام.
المصدر – مجلس العلاقات الخارجية