منصور الرحباني


منصور الرحباني .. شاعر غنى للحياة ولزمن الدمع

أنا

الغريب الآخر/ أنا دهشةُ السفن الغارقات/ هديرُ المياه/ مجيئي كانَ على غفلةٍ/

أتيتُ وأنتمُ في النوم أسرى/ على كتفيَّ صراخُ الشعوبْ/ صراخُ المحيطات/ والأمم

المطقأه/ ودمعُ سبايا الحروب  .. بعض من أشعار منصور الرحباني الذي يعد جزء من

ذاكرة الثقافة العربية ، عرف بحياته قائلا : ” اسمي منصور حنا الرحباني مولود عام

1925 في انطلياس (لبنان)، بعد وفاة والدي اضطررت باكراً الى خوض معترك الحياة

الصعبة ” وقال عن طفولته وأخيه عاصي رحباني ” تشردنا في منازل البؤس كثيراً سكنا

بيوتاً ليست ببيوت هذه هي طفولتنا”.

كما يروي منصور في كتاباته أنه عمل في مرحلة من حياته

راعي ماعز وحامل سلال عنب على ظهره، وخادما في مطعم، وشرطيا.

الأخوان رحباني ذلك يقول منصور: أعمال الرحابنة كانت اللغة الأكثر تعبيراً عن فرح الناس وعاداتهم،

اشتهر منصور مع أخيه عاصي باسم “الأخوين رحباني” وعن لذلك تعلقوا بأعمالنا، وعن التجربة المريرة في حياته وهي رحيل نصفه الثاني عاصي الرحباني يقول:  لا شك أن رحيل عاصي أحدث ألماً وفراغاً، لكنني لم أتوقف عن العمل، فأنتجت وألفت عدة مسرحيات وهي: “صيف 840” ، “الوصية”، “آخر أيام سقراط”، قام في اليوم الثالث”، “القداس الماروني”، “أبوالطيب المتنبي”، وغيرها.

 

كان يقول بأشعاره : مرتفعا كالراية وجهي/ ينظر في

الآتي/ أيام الحزن اقتربت/ أدركنا زمن الدمع/ فليحسن بين يديك وقوفي/ بشراكة سر

الماء القائم/ بين البحر وبين النبع/ مابين النار ووهج النار/ بلغني أين يصلي

الليل/ وأين تقوم طقوس الزائل

توفى منصور رحباني بعد حياة فنية حافلة قضى جزء كبيرا منها في إبداع مستمر مع شقيقه عاصي في 13 يناير 2009، عن عمر يناهز الرابعة والثمانين عاماً، وقد دخل منصور المستشفي بعد إصابته بأنفلونزا حادة أثرت بشدة على رئتيه، ليلحق منصور بشقيقه الذي توفى قبله بـ22 عاماً في الثمانينات.

قال ابنه غدي الرحباني عقب وفاة والده “اليوم بعد 22

عام من رحيل عاصي بعدما افترقتما في الجسد مدة وبقيتما سوياً بالروح عدتما واتحدتما

ورجعتما الأخوين رحباني اللذين ارتميا برحم الأرض” ، أما فيروز فقد سئلت ذات مرة عن

الأخوين، فقالت: “عاصي ومنصور متشابهان كحبتي المطر”.

عناق الطبيعة

” في شعر منصور الرحباني، سواءٌ المغنّى منه أو المكتوب للمطالعة، نجد المطابقة بين البيت وروحه، بين الشعر والطبيعة، لا الطبيعة الخارجيّة، بل طبيعة الأحاسيس والالتقاطات فور انبثاقها” هكذا كتب عنه الشاعر أنسي الحاج، الذي كان يراه يردد

دوما عبارة لجبران خليل جبران، تقول “إن الشاعرَ هو أقربُ الكائناتِ إلى فجر الأشياء”، وحين تسأله مَن أنت يا منصور الرحباني؟ فيجيبك: حيث أنام تستيقظ الأحلام، وأنا الآن نائمكم.

 

قدم منصور الرحباني أربعة دواوين شعرية هي

“أسافر وحدي ملكاً”، و”أنا الغريب الآخر”، “القصور المائية”، و”بحار

الشتى”.

منها يقول : سُكناي في مطالع القصائد/ شمس الينابيع .. أنا/

شعائر الصيف .. أنا/ وكلما تحطمت ريحٌ على بحر ٍ .. أنا/ لي في الهنيهات مجئٌ , ولي

انقضاءُ/ أحضرُ في التراب, في الأعشاب/ في أجنحة الطير , وفي الهواء/ أنا هو

التحولات, والجذور والأعماق

تتجلى في كلمات منصور النزعة الانسانية حيث يقول في

احدى قصائده: “ما وقفت على أرض إلا وكان لها أصحاب: الأودية، الجبال، الشواطئ

والسهول. فمن أين نأتي بأرض للفقراء يا حبيبتي؟”.

ومنصور كما يصفه النقاد هو فيلسوف الموت الحزين المطمئن، فيقول عن الموت في قصيدة “موت الآباء”: “يجب أن يكون هناك موت، حفيدي

الصغير كريم، هذا الصبي الحنون والمحب، لو شعر لحظة واحدة بأن من الممكن أن يبقى

جده الى الأبد، فإن صراعاً فورياً سيبدأ بينه وبيني لإزالتي من طريقه. سيحاول قتلي

بلعبته الصغيرة، فيجب أن يموت الآباء، لكي يعيش هؤلاء البرابرة الصغار، لأنه لو

سيطر الأسلاف، سيذبل بهاء العالم”.

أيضا كتب الشاعر في دواوينه عن الحرب في أعوام الاجتياح الإسرائيلي للبنان وصولاً الى بيروت عام 1982، ومقاومة هذا الاجتياح، والأهوال، يقول: “صاعقة الخوف علينا/ وأنا كالأرنب مختبئ/ أحتال

لأبقى”.

ومن قصيدته “مطر الرصاص” نقرأ:

إليك يا من تسكنين/ في الهاتف الليلي في الرنين/

هذي الكتابات/ وهذا الشوق والحنين/تساقط الزمان في أثوابنا/ صرنا الينابيع وعشب

الأرض/ صرنا العمر والسنين/ ما بيننا الرجال والحواجزُ/ ما بيننا يُزوبع القناص/ يا

مطر الرصاص/ آتٍ أنا/ وجهيَ مثلَ البرق يأتي/ من وطني الممنوع/ من مطارحَ محجوزة/

حيثُ السماءُ والتماعُ النار

 

وقد رفض منصور الرحباني الخضوع لتهديدات الحرب الاهلية

اللبنانية وأحداثها وموتها، والرضوخ لها عبر ملازمة المنزل، وقال خلال تقديمه

لمسرحية “زنوبيا” التي عرضها في أجواء أمنية متوترة في لبنان: “كنا رمز المهرجانات

والفرح، أبقونا في بيوتنا أسرى الرعب، يجب أن نتغلّب على هذا الخوف،  يجب أن

نكسر الخوف ونقدم عملا ينتمي للبطولة”.

كما كان منصور مهموما بوطنه حين قال: “الوطن يفلت منّا ونحن غافلون، عليكم أن تفكروا جيدا، ليس أمامنا بصيص ضوء، فيما أولياء الأمور يتناحرون على المكاسب والمناصب “.

وفي عذوبة يرثي زوجته عبر قصيدة، يعلن فيها أن قصائد

الحب التي كتبها، كتبها لسواها رغم انها من هيأت له كل شروط الكتابة فيقول: “..45

سنة ما كتبتلك شي، 45 سنة والقصايد لغيرك، كنتي تسمعيهن وتفرحي، أنت اللي انزويت،

حتى أنا انطلقت، أنت اللي قعدت بالعتم حتى كون أنا بالوهج، أنت اللي كنت تقوليلن:

ما حدا يزعجو، قاعد يكتب، بس بعمرك ما سألت،  شو عم بكتب، خليني اعترف بفضلك

عا كل شي عملتو، وبالأخص عا قصايد الحب اللي انكتبت لغيرك”!”.

كانت له مفاهيم عن الحب والسعادة والحياة، وصف الحب

قائلا:..هو السر الجميل الذي يجب أن يبقى في قلب صاحبه، الحب هو زهرة لا يمكن

الإطلالة عليها دائماً، إنه سر لا يجب كشفه”، وقال عن الحب في احدى قصائده :والحب

حين يبدأ أن يكون سعيدا يبدأ أن لا يكون”.

وكانت عبارته تشي بالتفاؤل حيث قال عن الحياة: “الحياة جميلة يا صاحبي، وكلما عشناها اكتشفنا أكثر سر جمالها، ومهما امتد العمر وطال، فهناك مسافات أخرى من الحياة لن نعرفها. كُتب علينا أن نعيش مسافة زمنية محددة، لا نعرف مدتها بالضبط، لذلك من الأفضل أن نعيش بكل ما نملك من حياة وحب وأمل وابداع”، ويقول عن السعادة: “السعادة قلقة أما الحزن فمطمئن”.

Author: fouad khcheich

Share This Post On

Submit a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Top

Pin It on Pinterest

Share This

مشاركة

شارك هذا المقال مع صديق!