أزيل تمثال الرئيس الراحل حافظ الاسد من مدينة حماة دون أن يتعرض للتدمير، على رغم ممحاولات المجموعات المسلحة. لم تكن ازالة التمثال بداية سقوط النظام، كما توقع الكثيرالمراقبين السياسيين الذين رأوا في بداية الحراك السوري أن من مات له قريب في عام 1982 سيكون اول من يقوم ضد نظام الاسد الابن.
الا أن حماة التي شهدت مع بداية الازمة السورية اكبر تظاهرة معارضة شارك فيها مئات الالاف، وفضحت وبقوة الدعم الامريكي لمل سمّي حينذاك “ثورة”، لمحاولة تدمير النسيج الاجتماعي النادر عالمياً، والموجود في سوريا، وخصوصاً في محافظتي دمشق وحماة حيث يعيش العدد الأكبر من أبناء الطائفتين الاسماعيلية (مصياف وسلمية) والمرشدية (عدد كبير من قرى سهل الغاب يتبعون شخص يدعون ربوبيته اسمه سلمان المرشد)، بالاضافة الى مئات القرى العلوية والمسيحية التي توالي دولة المؤسسات.
التظاهرة فضحت التدخل الاميركي آنذاك، بعدما توجه السفير الامريكي في دمشق يومها روبرت فورد الى مدينة حماة، لدعم قادة المظاهرة، فالتقى بهم في ساحة العاصي، في شهر تموز من عام 2011، ووعدهم بان “نظام الحكم في سوريا سيسقط في اقل من ثلاثة اشهر، فقط اصمدوا”، في محاولة زجهم في اتون الحرب الاهلية وتحويلهم الى ادوات لتدمير البلاد.
بعدها بأيام معدودة، اندلعت مواجهات مسلحة في بعض أحياء حماة، ذهب نتيجتها عشرات الضحايا، بينهم العديد من رجال الأمن الذين وجدت جثثهم في نهر العاصي، الى أن حسم الجيش العربي السوري المعركة لصالحه، معتمداً على جيش من المخبرين ساعدوا بكشف أماكن الخلايا الارهابية النائمة. بعدها، تم استدعاء وجهاء المدينة، وأُبلغوا جميعاً ان المدينة تقع في مرمى الدبابات وراجمات الصواريخ الرابضة على جبل زين العابدين (يقع جبل زين العابدين في ريف حماة الشمالي، ويبلغ ارتفاعه حوالي 620م، و يطل مباشرة على الأوتوستراد الدولي الذي يربط حماه بإدلب و حلب. يبعد عن مركز مدينة حماة فقط ستة كيلومترات، ويكشف مدينة حماة بشكل كامل، إضافة لدائرة يصل قطرها لحدود خمسين كيلومتر في مختلف الجهات، لذا يعد النقطة الأكثر استراتيجية في المنطقة).
قيل للوجهاء يومها أن مدينتكم تقع في المدى المجدي لمدافع دبابات اللواء 47، وأنتم تعلمون أن أبطىء طائرة تقلع من مطار حماة العسكري ستستغرق دقيقتين لتصل الى المدينة وتسويها بالأرض. عندها استكان أهالي حماة وعادوا الى ممارسة حياتهم اليومية العادية وكأن أمراً لم يكن…
هذا في المدينة. أما في الريف، فقد استمرت المواجهات مع الجيش النظامي وخاصة في الرستن وتلبيسة ومحيطهما، حيث يوجد سد الرستن (تكمن أهميته في أنه يصل جنوب البلاد بشمالها) كذلك في القرى الممتدة شمالاً على طريق حماة -حلب (صوران -خان شيخون-طيبة الامام)، كما يذكر أهالي الريف الشمالي أن معارك ضخمة قد وقعت في بلدات اللطامنة وكفرزيتا، بهدف التقدم باتجاه مدينة محردة (فيها واحدة من أكبر محطات توليد الكهرباء). وفي محاولات مستميتة للإستيلاء على جبل زين العابدين الذي تعد السيطرة عليه نظرياً بمثابة اعلان سقوط قمحانة (خزان مقاتلي الدفاع الوطني) وفرع الأمن السياسي وتحول كل من اللواء 47 ومطار حماه العسكري ومعامل الدفاع (معرين) لطريدة يسهل صيدها بالصواريخ… والأهم، يجعل مدينة حماه سهلة المنال.
اليوم، المعركة مستمرة في الخاصرة الشمالية لحماة، وتحديداً شمال وشمال شرق مدينة محردة التي تتهم الفصائل المسلحة أهلها بالولاء للنظام. وتعرضت المدينة لعدة هجمات من قبل الارهابيين المسيطرين على مدينة حلفايا المتاخمة لها، ودائماً ما كان الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني يتصدون لتلك الهجمات كما يحدث منذ بداية ما يدعى “غزوة مروان حديد”. وصرح مصدر ميداني أمس لــــ”روسيا الان” أن “حوالي 2000 مقاتل من قوات نسور الزوبعة التابعين للحزب السوري القومي الاجتماعي وقوات تابعة للدفاع الوطني وصلوا من مصياف وقرى وادي النصارى وكفربهم والسقيلبية وسلحب.
ويشير المصدر “نحن لسنا قوات هجومية وإنما مهمتنا دفاعية، بالاضافة الى عمليات الرصد، وكل ذلك ضمن حدود محردة والقرى المجاورة لها”. ويضيف “عديد القوى المؤازرة الذي بلغ حوالي ألفي مقاتل، كلهم من المتطوعين، مزودين بأسلحة ثقيلة ومتوسطة، ويعملون على رد هجمات الارهابيين. ويشارك اليوم في المعركة سلاح المدفعية والطيران وقوات المشاة”. ويتابع المصدر العسكري ذاته أنّ “المقاتلين جميعهم سوريين ومن أبناء الريف السوري، تحديداً ريف حماة وحمص، ولا وجود لأي مقاتل من حلفائنا وأصدقائنا الايرانيين، أو الروس أو من ابطال المقاومة اللبنانية”. ويؤكد المصدر عينه أنّ معركة “كر وفر” تدور على حدود بلدة معردس. أما من الجهة الشرقية لمدينة محردة، حيث تقع بلدات حلفايا وبطيش والزلاقيات، فالمعركة محتدمة أكثر، والسيطرة غالباً للجيش السوري.. ويختم المصدر: “داخل محردة هدوء تام والحياة جد طبيعية”.
للفصائل المسلحة تجارب قاسية مع جبل زين العابدين، ومعارك كر وفر خسرتها كلها، رغم كل الدعم الاميركي والسعودي والكويتي العلني. اليوم، يتحدث الروس والاميركيون عن اتفاق يلوح في الافق، يقولون انه سيفرض هدنة نهائية. هذه الهدنة ستكون الفرصة الاخيرة لكل القوى الدولية المتصارعة على الارض السورية، حيث أنّ روسيا لم تعد تحتمل مراوغات واشنطن، ولا مماطلات اردوغان، ولا حتى مشاغبات المعارضة السورية الطفولية، بشقيها العسكري والسياسي.
ماذا يحمل هذا الخريف لسوريا؟ هذا ما لا تعلمه إلّا غرفة عمليات حميميم وكواليس وزارتي الخارجية والدفاع الروسية.