اوكرانيا حصان ” طروادة ” فاشل … والمواجهة مع موسكو اضغاث احلام


محمد خشاب

يسود نظام من الشمولية الفكرية والإعلامية في أوكرانيا، لا يسمح ولو شكلياً بالتعددية. المرتكز الاساس  لهذا النظام هو “معاداة روسيا”. ويشمل هذا النظام  المجالين الإعلامي والسياسي للسلطة الأوكرانية، وأصبح الصراع الشامل مع روسيا وكل ما هو روسي أساساً للفكر القومي الأوكراني، ما  يشكل عائقاً امام تشكيل اي قوى او منظمات سياسية موالية لروسيا، حتى ولو لم يكن معظم المواطنين الأوكران راضين عن السلطة الحالية، وبغض النظر عن الوضع السياسي والإقتصادي، وأي تغيير في السلطة ممكن ان يتم من قوة معادية لروسيا الى قوة أخرى أكثر معاداة لها.

وبسبب ضعف الدولة المركزية، فقد ظهرت على الساحة الاوكرانية  قوى سياسية مستقلة سياسياً وإعلامياً، والأخطر أنها تمتلك ميليشياتها خارج مظلة الدولة وهي قوى يمينية متطرفة مدعومة من الخارج وبالاخص الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاميركية ولم يعد ذاك سراً ، لذلك فإن السلطة الحالية والتي هي جاءت بالاساس عبر انقلاب دموي اطاح بالمتبقي من مقدرات البلاد مضطرة للتعايش مع هذه القوى وإيجاد توازن معها.

لذلك يبدو واضحاً ان اي محاولة للخروج عن المرتكز الاساسي للنظام ( المعاداة للروس ) سيتم قمعه بالقوة وذلك من خارج الاطر الدستورية ( ان وجدت).

لا شك، فإن مواجهة اوكرانيا لـروسيا ستنتج الكثير من الازمات الاقتصادية والاجتماعية التي بدورها ستضعف بنية الدولة ولكن لن تلغيها ، بل ستبقيها عرضة  لمتغيرات شديدة ودائمة في الجانب السياسي والمالي والإقتصادي، ما يجعلها فاقدة للاستقرار.

وبناءاً على ذلك، فإن رسم سياسة روسية حول أوكرانيا ، تعتمد على التطور الطبيعي للنظام الأوكراني لمصلحة روسيا غلطة استراتيجية. فـأوكرانيا قد تغير زعماءها وشكل معاداتها لـروسيا، ولكنها لا تستطيع أن تكون “لا معادية” لروسيا. هذه الخاصية الأساسية لـأوكرانيا في هذه الظروف، لا يمكن تغييرها بالدبلوماسية والسبل الأقتصادية.

لا يهم الغرب مصير أوكرانيا، فهي بالنسبة إليه “أضرار جانبية” في استراتيجيته الجيو سياسية. الشيء الوحيد المهم بالنسبة للأميركيين والأوروبيين هو تكاليف استخدام أوكرانيا. توجُّه واشنطن وبروكسل في المرحلة الحالية، هو لتقليل النفقات، وبالرغم من الدور الذي تلعبه أوكرانيا اليوم، فقد تم تقليص النفقات الى الحد الأدنى. وهذا نتيجة لعوامل إعلامية ونفسية مبتكرة من قبل الغرب خلال العقدين الماضيين.

فخلال العشرين سنة الماضية، قامت المنظمات الغربية الغير حكومية ووسائل الإعلام الأوكرانية، وبشكل تدريجي وهادف، برسم صورة إيجابية وجاذبة للغرب في وعي الأوكرانيين، حتى اصبحت فكرة الإنضمام للإتحاد الأوروبي هدفاً للإستراتيجية القومية، ليس للدولة فقط، بل وللمجتمع أيضاً. لذلك فإن الوعي الجمعي للأوكران لا يسمح للنخبة الحاكمة ولا للمواطنين العاديين، بالعزوف عن اللحاق بـ الولايات المتحدة وأوروبا، حتى ولو توقفتا كلياً عن دعم أوكرانيا. فالغرب اصبح “المثال الأعلى” وروسيا “تجسيداً للشر”.

هكذا اصبح الوعي المجتمعي للأوكران أسيراً للدعاية المعادية لروسيا، وبعد الإنقلاب في شباط 2014، اكتملت عملية “شيطنة روسيا”. وأصبحت روسيا المسؤولة عن كل الأزمات التي تجري في أوكرانيا بالنسبة لأكثرية المواطنين. وبالتالي فإن اي تغيير في السلطة لن يستطيع تغيير المزاج المعادي للروس والمسير الإستراتيجي لأوكرانيا.

تحديداً لهذا السبب، قامت الولايات المتحدة وبروكسل بتخفيض دعمها السياسي والمادي والإعلامي الى الحد الادنى. فارتباط أوكرانيا بالغرب، نفسياً ومادياً وسياسياً وإعلاميا، كبير جداً لدرجة أنها لا تستطيع التخلي عن الغرب بقرارها الذاتي.

على هذا الأساس، فإن أيّة تسوية بالشأن الأوكراني، بين روسيا والغرب صعبة جدأً. بالنسبة للغرب، فإن إعادة شبه جزيرة القرم الى روسيا والحرب في الدونباس، هي تحد روسي للهيمنة الغربية. وأوكرانيا المعادية للروس والعدائية هي الرد الغربي على هذا التحدي. فالغرب لا يستطيع القبول باستقلال روسيا الفكري والإقتصادي والسياسي عن هيمنته.

إن أوكرانيا في الإستراتيجية الغربية هي أداة اساسية في تطويق روسيا جيوبوليتيكياً، وقاعدة لتوجيه الضربات الإعلامية والسياسية وحتى العسكرية (لاحقاً) لروسيا. إضافة الى انها طريقة لكبح التطور الأقتصادي لـروسيا ولتأثيرها الجيوبوليتكي، لدرجة أن الغرب مستعد لتحمل بعض الخسائر المالية والأقتصادية من أجل تحقيق أكبر ضرر ممكن لموسكو.

كما تجدر الملاحظة الى أن الولايات المتحدة، بإبقائها الأزمة الأوكرانية متأججة وكون أوروبا متورطة بها، تحاول تمكين سيطرتها على حلفائها الأوروبيين، بتقديم روسيا كمعتدٍ وخطرٍ استراتيجي، لا تستطيع أوروبا مواجهته إلاّ بانتظامها تحت القيادة الأميركية.

خوف الغرب من إستقلالية روسيا ودورها المتنامي، إقتصادياً وسياسياً وإعلامياً وعسكرياً، الذي يهدد الهيمنة الغربية، ومحاولة أميركا إبقاء سيطرتها على حلفائها الأوروبيين، لا يسمح للغرب بالوصول إلى تسوية بالملف الأوكراني. فـأوكرانيا هي آلية للضغط الدائم على روسيا والردع الإستراتيجي لها.

عدم التجانس في الرأي في أوروبا سيولّد ضعفاً في المواجهة مع موسكو، ولكن الولايات المتحدة ستعمل على ظبط “التمردات الداخلية” فيما خص العقوبات المفروضة على روسيا. فتأثير الولايات المتحدة بالنسبة للدول الأوروبية أكبر بكثير من التأثير الروسي عليها. لهذا فإن الجدل و شد الحبل بين الروس والأوروبيين سيستمر، والحديث عن جدوى العقوبات لن يتوقف، ولكن بالمجمل، فإن وضع الأزمة الأوكرانية سيبقى على حالهٍ، ولا يمكن الرهان على تحقيق أي تقدم باتجاه حلها.

 

Author: fouad khcheich

Share This Post On

Submit a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Top

Pin It on Pinterest

Share This

مشاركة

شارك هذا المقال مع صديق!