لن تكون هناك كتلة لـ”الإقتصادات الناشئة” ترتقي لتحدي النظام الغربي. لكن ما سيأتي لاحقاً ربما يكون أكثر فوضوية وخطورة.
بينما يكتب المحللون والباحثون مسوداتهم الأولى عن تاريخ السياسة الخارجية لإدارة أوباما, أحد الفصول سوف يتناول بالتأكيد ما كان يُسمى من قبل “القوى الصاعدة,” وهي مجموعة تضمنت البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا وغيرهم، لكن التفاؤل الذي شهده عام 2008 – عندما كانت دول “البريكس” صاعدة, ومستعدة لإعادة تشكيل الإقتصاد والسياسة العالميين – تحول إلى شك.
إن محاكمة رئيسة البرازيل ديلما روسيف بتهم التقصير والتلاعب وفضيحة المنشطات الروسية التي قد يفتخر بها السوفيت فقط هي آخر علامات جلية على أن صعود مجموعة من الدول القوية الحديثة التي تعيد تشكيل العالم ليس بالأمر المؤكد. منذ بضعة أعوام, كان صدع مدمر في أوروبا سيستدعي التباهي بـ”زوال الغرب وصعود البقية.” الآن, الصورة أكثر تعقيداً: أوروبا في حالة فوضى, وكذلك العديد ممن كانوا قد يصبحون منتفعين من إضطراب القارة.
وبينما تتطلع الولايات المتحدة إلى الإدارة الجديدة القادمة في يناير, فإن نهجها لتغيير علاقات القوة العالمية سيكون جاهزاً لإعادة التفكير. إن بعض الدول القوية حديثاً, التي لم ترتقي إلى مجموعة حديثة من الحلفاء الديموقراطيين ولا ثقل موازن متماسك للنظام الغربي, تثبت إنها أقل قابلية للتنبؤ, وأكثر تشتتاً, وأكثر تعزيزاً للقوة الأمريكية مما تنبأت به مؤسسة المخابرات الخاصة بواشنطن منذ عقد مضى.
وفي الأعوام الأخيرة لإدارة جورج دبليو بوش والأعوام الأولى لأوباما, بدت القوى الصاعدة أو “الناشئة” وإنها تستحوذ على مؤسسة السياسة الخارجية. عرضت المؤسسات والمراكز البحثية مشروعات ومؤتمراتوأوراق بيضاء للقوى الصاعدة. كان بعضها متفائلاً. توقع محللون, من بينهم آن ماري سلوتر وجون إيكنبيري, صعود مجموعة من الديموقراطيات الحديثة – مع تصدر البرازيل والهند وجنوب أفريقيا للائحة – التي سوف تنمو لتصبح حلفاء للولايات المتحدة. كل شخص من جون ماكين إلى مادلين أولبرايت (التي روجت للفكرة قبل عقد تقريباً من موافقة الآخرين عليها) ناصروا توحيد الديموقراطيات في تحالف عالمي يقوم على القيم المشتركة والعمل المشترك.
على الجانب الآخر, توقع أكاديميون ومحللون آخرون أن صعود قوى حديثة قد يدل فقط على إقتراب التراجع الأمريكي. في 2010, تنبأ البروفيسور ألفريد ماكوي من جامعة ويسكونسين-ماديسون بـ”إنهيار إمبريالي” و”رسائل تذكيرية يومية مؤلمة بما تعنيه هذه الخسارة للقوة بالنسبة للأمريكيين في كل مناحي الحياة.” شرحت دراسة مفصلة أعدها مسئولون من القوى الصاعدة ونشرتها جامعة أوكسفورد عام 2012 “أوجه التضافر والتكامل” التي “أطلقت دول البريكس إلى موقع قيادي” عالمياً. كما كتبت البروفيسور سوزان جراتيوس من جامعة مدريد المستقلة في 2008: “في السنوات الأخيرة تحدى عدد من الدول الناشئة موقع الهيمنة للقوى القديمة, التي تنحدر في نظام الهيمنة الدولي.” تنبأ التوزيع الكئيب بأن التراجع في الأهمية النسبية للولايات المتحدة سيضاهيه فقط ما حدث في أوروبا, معلناً عما أسماه المؤرخ تيموثي جارتون آش “التشاؤم الأوروبي,” وهو إحساس بأن القارة هُزمت على يد الدول الصاعدة بسرعة ألا وهي الصين والهند والبرازيل وروسيا.
الشيء الوحيد الذي اتفق عليه الجانبان هو أن التغييرات التي أحدثتها القوى الصاعدة ستكون بنائية. في ما يُسمى “تخطيط المستقبل العالمي,” وهو تحليل مؤثر نشره مجلس المخابرات الوطني الأمريكي في 2004, توقع خبراء المخابرات أن “القوى ’حديثة العهد‘ – الصين والهند وربما آخرين مثل البرازيل وإندونيسيا – لديها القدرة على إبطال الفئات القديمة للشرق والغرب, والشمال والجنوب, المتحالفة وغير المتحالفة, المتقدمة والنامية.” تصدّر التقرير العناوين الرئيسية مثل “رؤية 2020: تقرير للسي آي إيه يتنبأ بأن الهيمنة العالمية الأمريكية قد تنتهي في غضون 15 عاماً.”
لكن لم يحدث الأمر بهذه السرعة, كما اتضح، الكثير من الأماكن التي تدعم هذه التوقعات تبخرت في العقد التالي، وإن أصل التركيز العالمي على القوى الصاعدة كان تحليلاً في عام 2001لجيم أونيل من جولدمان ساكس والذي تنبأ بمعدلات نمو أسرع وأكثر ثباتاً بين الإقتصادات الناشئة والتي ستضعها في موقع يسمح لها بالهيمنة تدريجياً على الساحة العالمية, ويترك فقط الولايات المتحدة واليابان ضمن القوى الصناعية التقليدية المصنفة ضمن أقوى ستة إقتصادات عالمية.
ركز البنك على البرازيل وروسيا والهند والصين – وهي مجموعة أسماها أونيل “البريك” ثم “البريكس” عقب إدخال جنوب أفريقيا. في حين أن تحليل جولدمان كان مليئاً بالتحذيرات, ركز خبراء السياسة على التوقع بالنمو المعزز والسريع للإقتصادات الناشئة. إن تنصيب جولدمان لدول البريك كالأسواق الناشئة “الأكثر ترجيحاً للنجاح” حفّز موجة من المتنبئين لصياغة إختصاراتهم الخاصة: ميست (المكسيك, إندونيسيا, كوريا الجنوبية, وتركيا – التي حدد أونيل إنها ستكون التالية عقب البريك) وساني (جنوب أفريقيا, الجزائر, نيجيريا, ومصر – المفترض إنهم القادمين في القارة الأفريقية). تمادت صحيفة التليجراف البريطانية ونشرت معجماً كاملاً لأبجدية الأسواق الناشئة.
وبعد خمسة عشر عاماً, العديد من دول البريكس (ناهيك عن ميست أو ساني) تنهار, بفعل التعامل الذاتي, وفقاعات الأصول, والضعف التدريجي لسوق الأسهم, وتقلبات السلع, والإمدادات المحدودة من العمال منخفضي الأجور. في تحذير نُشر في شهر يناير, تنبأ البنك الدولي بنمو سلبي في البرازيل وروسيا, ونمو أعلى من 1 في المائة بقليل في جنوب أفريقيا, ونمو ثابت بنسبة 7,8 في المائة في الهند, ونقص عن التوقعات في الصين متوقفاً عند 6,7 في المائة. كما تصيغها فينانشيال تايمز: “ما كان في السابق شرارة لامعة في الإقتصاد العالمي أصبح الآن صداعه الأكبر.” في أواخر العام الماضي, أغلق جولدمان أخيراً صندوق إستثماره الخاص بدول البريكس, الذي خسر 88 في المائة من قيمته منذ أن بلغ ذروته في 2010.
إن المشكلات ليست إقتصادية فقط. فمن الناحية السياسية, أثبتت العديد من دول البريكس إنها غير مستقرة بصورة مماثلة. كان صعود القوى الناشئة قائم على فكرة إنها مستقرة داخلياً, ومستعدة وقادرة على إظهار النفوذ العالمي بثبات. في حين أن بعض المحللين سلطوا الضوء على الفساد, والضعف المؤسسي, والخلل الوظيفي السياسي على إنها مخاطر, إلا أن هذه المخاوف كانت كثيراً ما تُرّحل إلى الهوامش. كما يصيغها مشروع مجلس المخابرات الوطني 2020 في تقريره: “وحده الإنعكاس المفاجئ للعولمة أو الإضطراب الكبير في هذه الدول من شأنه أن يمنع صعودها.”
مع هذا, في جنوب أفريقيا والبرازيل وروسيا, الفساد وإخفاقات الحوكمة أثبتوا كارثيتهم. سواء كنت تعتقد أن روسيف مذنبة فعلاً أو ضُحيّ بها ظلماً – وأيا كان ما تفهمه من الإتهامات التي تفيد بأن خليفتها المؤقت يقدم خدمات مقابل الحصول على أصوات لكي يعزلها من منصبها –لا يبشر أي منهم بالخير للحكم البرازيلي. في جنوب أفريقيا, صمد الرئيس جايكوب زوما أمام حملة لإتهامه بالفساد والتقصير والآن يتشبث بمنصبه في فترة إنتقالية فيما تُعد ديموقراطية من حزب واحد. بينما تواصل روسيا والصين إظهار سلطة مركزية حازمة, إلا أن حملاتهما الأمنية المشددة على المعارضين والمحامين والشخصيات الثقافية المؤثرة تشير إلى أن الأنظمة قلقة من أن الفساد وتباطؤ الأنشطة الإقتصادية قد تجعل شعوبهم جامحة.
وفي السابق عندما كانت القوى الصاعدة في أحسن حالاتها, اختلف المنظرون حول ما يتوقعوه من سياساتها الخارجية. توقع بعضهم أن تنحاز الديموقراطيات الرائدة إلى واشنطن, بينما تكهن آخرون أن كتلة البريكس السياسية الصلبة سوف تُبقي النفوذ الغربي مكبوحاً. لم تتحقق أي من الرؤيتين. في نهجها الخاص بحقوق الإنسان الدولية والتدخل الإنساني, تأثرت الديموقراطيات الصاعدة بهوياتها ما بعد الإستعمار أكثر بكثير من رفائقها السياسيين المعاصرين, مؤكدين على إحترام السيادة على حساب الضرورة الأخلاقية للحماية المدنية أو منع الصراع. امتنعت البرازيل والهند عن التصويت على قرار مجلس الأمن لعام 2011 الذي يصرح بإستخدام القوة ضد الرئيس الليبي معمر القذافي, بدافع القلق من إحتمالية أن التدخل قد يؤدي إلى تغيير النظام. سلكت هاتان الدولتان إلى جانب جنوب أفريقيا نهجاً متحفظاً في التعامل مع الحرب الأهلية في سوريا, متخذتان موقفاً ملتبساً, لكن بميل تجاه روسيا والصين أكثر من الولايات المتحدة وأوروبا.
لكن في حين أن أحلام تكوين “تحالف قوي للديموقراطيات”تحطمت, فشل السيناريو المرعب ببناء جدار قوي لدول البريكس في التحقق. بينما تلتقي دول البريكس بشكل دوري كمجموعة, إلا أن معدلات النمو, وتعداد السكان, ومستويات إنبعاثات الكربون, والثروة ومؤشرات أخرى تفرض مصالح متباينة على القضايا التي تشمل الإقتصاد والتجارة العالمية, تغير المناخ, الإنتشار النووي, والصراعات في الشرق الأوسط. اجتمعت دول البريكس معاً من أجل إنشاء بنك تنمية خاص بها, وهو تأنيب لنظام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الخاضع لهيمنة الغرب. لكن الدولتين الأقوى والأكثر إستقراراً في الكتلة, الهند والصين, على خلاف متزايد حول الإرهاب, وطموحات بكين الإقليمية في بحر الصين الجنوبي وما وراءه, وإستراتيجية نيودلهي للتحوط من خلال العلاقات المعززة مع الولايات المتحدة واليابان.
كان المحللون محقين في لفت الإنتباه إلى النمو السريع واللمحة الدولية الموسعة عن مجموعة جديدة من الدول. أصبحت الدول الفردية, من ضمنها الصين وروسيا والهند, أكثر أهمية بكثير بالنسبة للولايات المتحدة وبقية العالم مما كانت عليه منذ عقد مضى. مع هذا, التوقع بأن هذه المجموعة – كمجموعة – سوف تعيد تشكيل علاقات القوة العالمية بشكل جماعي لم يتحقق. مع ذهاب معظم برامج ومشروعات القوى الناشئة في نفس طريق الصندوق السابق لجولدمان ساكس, يقع على عاتقنا أن نفكر في الإستنتاجات التي نستخلصها من صعود وهبوط مفهوم “القوى الصاعدة.” تظهر قليل من الملاحظات. أولاً, مكانة الولايات المتحدة التي وصفتها مادلين أولبرايت من قبل “الدولة التي لا غنى عنها” تبقى دون مساس. الولايات المتحدة بعيدة جداً عن إمتلاك القدرة المطلقة واصطدمت بحدود نفوذها الدبلوماسي وقدراتها العسكرية في أماكن مثل العراق وأفغانستان. لكن عندما يتعلق الأمر بتحفيز العمل الدولي وتقديم الرأي الحاسم في ما إذا كان, وإلى أي درجة, ستتم مواجهة صراع عالمي ما – ليبيا, سوريا, تنظيم الدولة الإسلامية, أوكرانيا, تغير المناخ, الإيبولا – على مستوى عالمي, لا يضاهي رأي أي دولة أخرى رأي واشنطن. بإستثناء روسيا (حيث يبدو الرئيس فلاديمير بوتين محفزاً برغبة مزدوجة في كبح الولايات المتحدة وإدامة سلطته الشخصية), لم تسعى أية قوة صاعدة أخرى لأن تصبح صاحبة القرار أو تحمل إلتزاماً بالقيادة خارج منطقتها.
ثانياً, أوروبا مازالت مهمة. إن المنطق الضمني للقوى الصاعدة هو إنهم سيتركون القارة كأثر باقي من عصر بائد لعلاقات القوة. بالرغم من الكساد الإقتصادي, والضائقة السياسية, وأزمة اللاجئين, وجناح اليمين الصاعد, تبقى أوروبا, حتى الآن, الحليف الرئيسي للولايات المتحدة الأكثر إستقراراً وموثوقية. في حين أن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي وجه صفعة قوية للإتحاد الأوروبي, إلا إنه من المرجح أن يقوي العلاقات الأمريكية مع برلين وباريس والعواصم الأوروبية الأخرى التي ربما تكون بديلاً للندن كقناة وصول لواشنطن داخل الإتحاد. تماماً مثلما يبدو الكثير من البريطانيين مؤخراً وإنهم ينتبهون لمدى أهمية الإتحاد الأوروبي, ربما تخرج واشنطن من الأزمة بإحساس متزايد بالتقدير للكتلة. سواء فيما يخص إيران, أو أوكرانيا, أو تنظيم الدولة الإسلامية, أو أي قضية أخرى, الدعم الأوروبي هو الشرط المسبق الضروري لكي يحظى العمل الأمريكي بالشرعية.
عندما أدرك الرئيس باراك أوباما هذا, كان مُجبراً على مناورة ما وصفته بوليتيكو بإنه محور من المحاور, عائداً من “إعادة التوازن” إلى آسيا من أجل إبقاء القارة جزءاً واحداً وسط التوترات السياسية والإنسانية الحادة. بدلاً من مجموعة من المحاور المتعاقبة, التي يلغي كل واحد منها الآخر, تحتاج واشنطن إلى إبداع نموذج من 360 درجة للقيادة, حيث لا يأتي التركيز على منطقة ما على حساب المناطق الأخرى. إذا كان الدبلوماسيون الأمريكيون استطاعوا متابعة إتفاقيات تجارية كبرى حديثة في نفس الوقت إلى جانب إتفاقية نووية مع إيران وإتفاقية لتغير المناخ, لا يوجد سبب يجعل المبادرات الإقليمية المتوازية القوية بشكل متعادل تستبعد بعضها البعض.
الإستنتاج الثالث المستنبط من الصعود المتفاوت لقوى جديدة هو أن صعود الصين جعل الولايات المتحدة أكثر أهمية, وليس أقل, على الصعيد العالمي. بدلاً من أن تصبح شيء من الماضي كما توقع الكثيرون, أصبحت الولايات المتحدة, بسبب نفوذ الصين المتصاعد, حليفاً أكثر أهمية للدول في أنحاء آسيا وما وراءها. بينما يسعى جيران الصين الإقليميين لتحصين أنفسهم ضد العملاق المجاور, توسعت وتعمقت علاقاتهم مع الولايات المتحدة. إن محور آسيا الأمريكي يدفعه الآن الطلب المحلي للتواجد الأمريكي في المنطقةبقدر ما يدفعه خوف واشنطن من أن يتم تهميشها. إن المباحثات الأخيرة حول مبيعات الأسلحة وإمكانية التواجد العسكري الأمريكي المتجدد في فيتنام هي آخر تجليات الروابط المكثفة بين الولايات المتحدة وعدد من الحلفاء في المنطقة, من بينهم كوريا الجنوبية, واليابان, والفلبين, وماليزيا, وإندونيسيا.
إن حقيقة التقلبات الجيوسياسية تضمن أيضاً إعادة النظر في بعض تشريعات السياسة الكبرى التي نشأت من المؤلفات الخاصة بالقوى الصاعدة. شدد الكثير من المحللين على الحاجة الملحة لإصلاح مجلس الأمن بحيث يعكس الديناميكيات المحدثة للقوة العالمية. طالب المحللون بمقاعد دائمة للبرازيل والهند في مجلس أمن مُجدد وحثوا الولايات المتحدة على تولي القيادة في إعادة الهيكلة, خشية أن تندس عليه بطريقة ما مجموعة مُعاد تشكيلها.
إذا وافق الشخص على فكرة أن تجديد مجلس الأمن (الذي لا يزال يعمل مثلما كان عندما تم تأسيسه عام 1946, بخمسة مقاعد دائمة تحمل الفيتو محجوزة لبريطانيا, والصين, وفرنسا, وروسيا, والولايات المتحدة) حتمية في المستقبل القريب, ربما يكون في مصلحة واشنطن أن تدفع من أجل ذلك الإصلاح عاجلاً وليس آجلاً. لكن, على عكس الحال منذ عقد, الحافز للتحرك الآن ليس لأن الدول المستبعدة قوية جداً. وإنما لإنها ضعيفة نسبياً. إن البرازيل وجنوب أفريقيا, اثنتان من أبرز الدول الطامحة في عضوية مجلس الأمن, تتقدمان ببطء. في حين أن الهند تبدو في حالة جيدة, إلا أن المقاومة الإقليمية لتعزيز وضع نيودلهي تبقى راسخة. ربما تكون الإدارة الأمريكية الجديدة قادرة على تقديم إقتراح لمعالجة التركيب الذي عفا عليه الزمن لمجلس الأمن مع إدامة مجلس يمكن لواشنطن أن تعمل معه. سوف تكون دول قليلة راضية عن مقترحات ترك معظم هيكل المجلس (من ضمنه الخمسة مقاعد الدائمة الحاملة للفيتو) دون مساس مع إضافة حوالي ستة أعضاء شبه دائمين والذين يخدمون لمدة تتراوح من أربعة إلى خمسة أعوام, قابلة للتجديد. لكن واشنطن والكثير غيرها يمكن أن يتعايشوا مع هذه الصورة المتواضعة من الإصلاح.ربما تستفيد الولايات المتحدة أكثر عن طريق المساعدة في تنفيذه بدلاً من إنتظار الوقت الذي تعود فيه قوى جديدة لوضع يمكنها من طلب المزيد.
إن المرشح الرئاسي الجمهوري المفترض دونالد ترامب لديه ميلاً لوصف القوى الصاعدة بمصطلحات مروعة: في 2007, قال, “لقد تحولنا من قوة هائلة تُحترم في جميع أنحاء العالم إلى أضحوكة. وفجأة, أصبح الناس يتحدثون عن الصين والهند وأماكن أخرى.” هذا العام, كرر توقعه بأن “تسونامي إقتصادي” صيني سوف “يبتلع” الولايات المتحدة. أما نظيرته الديموقراطية, هيلاري كلينتون, فنظرت إلى القوى الصاعدة بطريقة براجماتية, مما ساعد في تخطيط تركيز أمريكي متزايد على آسيا وإقامة حوارات إستراتيجية منتظمة مع البرازيل والهند وجنوب أفريقيا. مع هذا, عندما كانت وزيرة للخارجية, قاومت دعوات تمييز قلة منتقاة وعملت بدلاً من ذلك على تنمية مجموعة واسعة من الشركاء, من بينهم إندونيسيا, ونيجيريا, والفلبين, وكينيا, وتشيلي, واليابان, والكثير غيرهم. هذا النهج تجاه التحالفات – الإستثمار بتوسع, مع معرفة أن بعض الطاقة المبذولة سوف تُهدر, وأن علاقات أخرى ستُثبت إنه لا غنى عنها, وإنه من الصعب معرفة أي من ذلك مسبقاً – يقر بأن مسارات الدولة لا تتعلق فقط على أساسيات النمو والجيوسياسة, وإنما أيضاً على مهارات القيادة الفردية والحظ.
عقب 9/11, وبمجرد أن بدأ الضرر طويل المدى الذي أصاب وضع الولايات المتحدة العالمي في التعافي من حرب العراق عام 2003, بدأ مفكرو السياسة الخارجية في الإدلاء برأيهم حول ما سيأتي بعد ما أسماه تشارلز كراوثامر “اللحظة أحادية القطب” عقب إنتهاء الحرب الباردة. توقع ريتشارد هاس من مجلس العلاقات الخارجية عصراً لاقطبياً, حيث القوة موزعة على نطاق واسع. تتوقع شيرلي شوينينجر وآخرون من مؤسسة نيو أمريكا عالم متعدد الأقطاب. إن المصير المقاوم للتكهن لدول البريكس على مدار العقد الماضي, ناهيك عن الأخبار الصادمة لخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي, ربما يشير إلى إحتمال أكثر إزعاجاً: عالم متناقض, وغامض, ومطوّق حيث القوة منتشرة والثروات الوطنية ترتفع وتهبط بإيقاع في غاية التعقيد على أن تعكسه أية نظرية على نحو وافٍ.
لذلك بدلاً من المراهنة بشدة على رابحين وخاسرين محددين, ينبغي على الولايات المتحدة تنويع رأس مالها الدبلوماسي, مدركةً أن التنبؤ بمسار القوى الصاعدة في العالم أمراً ملتبساً على أفضل تقدير.