بعد خروج بريطانيا .. يعلو صوت الندم ومطالبات بالتراجع


صوتت المملكة المتحدة في استفتاء تاريخي، الخميس الماضي، لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة 52 في المئة، مقابل 48 في المئة لمعسكر البقاء، خرجت فيه من اتحاد استمر على مدى 43 عاما.

 وشكلت نتيجة الاستفتاء موجة من الصدمات ضربت دول أوروبا، التي لم تتمكن من استيعاب تصويت الناخبين البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي.

 وظهرت المملكة المتحدة بعد الاستفتاء دون خطة، ولا إدراك ماذا يعني الخروج بشكل عملي، حيث حلت حالة من الغموض على الأمر، وفق ما علقت به صحيفة “الغارديان” البريطانية بعد الاستفتاء.

 والآن

 يسعى محامون إلى استخدام ثغرات قانونية لإجهاض تنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في أعقاب الاستفتاء الأخير الذي رجح كفة الانفصاليين.

 وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، فإن المحامين يستنندون على ثلاثة زوايا:

 – المادة 50 من معاهدة لشبونة.

 – منع تنفيذ القرار من خلال أسكتلندا.

 – إقامة استفتاء آخر.

 المادة 50:

 المادة 50 من معاهدة لشبونة هي الآلية التي وافق عبرها خلالها البريطانيون على إنهاء علاقة دولتهم مع الاتحاد الأوروبي امتدت 40 عاما.

 وبمجرد إخطار الدولة المنسحبة الاتحاد الأوروبي بقرار  مغادرة  المنظمة الأوروبية، تبدأ مرحلة تفاوض بين الطرفين على الخروج تستمر عامين.

 ويمكن مد نطاق الحد الأقصى لفترة التفاوض من خلال اتفاق بالإجماع بين الدول السبع والعشرين الباقية.

 وإذا لم يحدث هذا الامتداد، تصبح بريطانيا رسميا خارج الاتحاد الأوروبي.

 وتنص المادة50 من معاهدة لشبونة على أن أيا من أعضاء الاتحاد الأوروبي تستطيع الخروج من الاتحاد بما يتوافق مع الاشتراطات الدستورية.

 مثل هذه الجملة تمنح المحامين وقفة للتفكير بشأن ما هو مسموح في نطاق الدستور البريطاني.

 وذكر تقرير أعده ثلاثة خبراء قانونيين لصالح “جمعية القانون الدستوري” بالمملكة المتحدة أن الدستور البريطاني لا يستطيع إصدار الإخطار المذكور المتعلق بالمادة 50 من معاهدة لشبونة دون أخذ تفويض من البرلمان لفعل ذلك.

 لكن بي بي سي رأت أنه ليس منطقيا أن يقف البرلمان البريطاني في وجه تصويت الخروج الذي كان نتاج استفتاء وطني.

 أسكتلندا:

 أثارت رئيسة وزراء أسكتلندا نيكولا ستورجون توقعات تتعلق بمحاولة دولتها منع البريكسيت، ولكن السؤال هو تستطيع تنفيذ ذلك؟

 الإجابة المختصرة هي “لا”، ولكن كيف ستحاول؟

 نيكولا ستورجون تستد إلى معاهدة تسمى “اتفاقية سويل” تنص على عدم إقرار شأن يمس اسكتلندا دون موافقة البرلمان الأسكتلندي.

 لكن من جانب آخر فإن قانون الاتحاد الأوروبي يحد من سلطات برلمان أسكتلندا.

 بيد أن الجدل هنا إذا ما كان التشريع الخاص بالبركيسيت والذي فعلته المملكة المتحدة يلغي تلك الحدود التي يضعها البرلمان الأوروبي، بحيث يكون برلمان أسكتلندا قادرا على سن تشريعات تنتهك قوانين الاتحاد الأوروبي، وبالتالي يعود تطبيق معاهدة سويل.

 استفتاء آخر:

 طالبت عريضة وقع عليها أكثر من 4 مليون شخص بريطاني بإجراء استفتاء آخر على الخروج من الاتحاد الأوروبي.

 ومن المثير للسخرية أن أوليفر هيلي أحد أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي هو من بدأ العريضة قبل الاستفتاء وقتما كانت حظوظ معسكر الانسحاب هي الأكثر ترجيحا كمحاولة منه آنذاك لتصعيب الأمور على أنصار البقاء.

 ودعت العريضة إلى تغييرات في قوانين الاستفتاء بحيث يتم إجراء استفتاء آخر إذا حصل الطرف الفائز على أقل من 60 %، في ظل نسبة مشاركة لا تقل عن 75 %.

 وقبل الاستفتاء البريطاني كان عدد الموقعين على العريضة 22 شخصا فحسب، لكنه تجاوز 4 مليون في أعقابه.

 وأردفت بي بي سي: “سيادة البرلمان حجر زاوية لدستورنا، لذا من الممكن قانونا إجراء استفتاء آخر”.

 بيد أن ذلك رغم دستوريته لكنه غير معقول سياسيا، وسيثير ثورة أو أزمة دستورية في حالة حدوثه.

 وخلص التقرير إلى النتيجة التالية: “بينما يثير المحامون مناقشاتهم، يبدو مستحيلا رؤية نزاع قضائي لوقف هذا الطاغوت الديمقراطي الذي يخرج من باب الاتحاد الأوروبي. ثمة أوقات تتفوق فيه السياسة على القانون”.

36-520x350
  • Facebook
  • Twitter
  • Google+
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Gmail
  • VKontakte
الأسباب التي قد تدفع بريطانيا إلى مراجعة خيار الخروج:-

 صدمات الخسائر الاقتصادية:

 سببت نتيجة الاستفتاء ضربة اقتصادية عالمية، وتكبدت بورصة لندن العملاقة خلال ستة ساعات فقط من تداولاتها صباح اليوم التالي للاستفتاء، الجمعة الماضي، خسائر فلكية قاسية هي الأكبر على الإطلاق في تاريخها، وهي خسائر تجاوزت كل ما دفعته بريطانيا للاتحاد الأوروبي خلال الـ15 عاماً الماضية.

 وبحسب بيانات الاتحاد الأوروبي فإن مساهمة بريطانيا في موازنة الاتحاد بلغت العام الماضي 2015 نحو 13 مليار جنيه إسترليني، لكن الاتحاد ينفق من هذا المبلغ نحو 4.5 مليارات جنيه داخل بريطانيا، ما يعني أن المساهمة الحقيقية والصافية لبريطانيا تبلغ 8.5 مليارات جنيه إسترليني سنويا.

 وإلى جانب خسائر البورصة، فإن الجنيه الإسترليني هبط حينها بأكثر من 10 في المئة أمام الدولار الأمريكي.

وما تزال الأسهم الأوروبية تعاني هبوطا إلى اليوم، مع تعثر محاولات التعافي من موجة هبوط عنيفة نتجت عن تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، مع تراجع أسهم البنوك الكبرى.

 وحذر وزير المالية البريطاني، جورج أوزبورن، من أن بريطانيا ستضطر لخفض الإنفاق وزيادة الضرائب لمواجهة التحديات الاقتصادية الناجمة عن اقتراع البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي.

 وسئل إذا كانت الضرائب سترتفع والإنفاق سينخفض فقال: “نعم بكل تأكيد”.

 خطر خروج اسكتلندا وإيرلندا الشمالية:

 صوتت أسكتلندا أو إيرلندا الشمالية -اللتان تشكلان مع إنجلترا وويلز المملكة المتحدة- بوضوح، لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي يعرض وحدة المملكة للخطر.

 فقد صوتت اسكتلندا التي يقطنها خمسة ملايين شخص لصالح البقاء داخل الاتحاد الأوروبي بنسبة 62 بالمئة مقابل 38 بالمئة في استفتاء الخميس، ما يضعها على خلاف مع بريطانيا التي صوتت ككل بنسبة 52 بالمئة لصالح الخروج من الاتحاد مقابل 48 بالمئة للبقاء بداخله.

 ويرى كثيرون أن نتيجة الاستفتاء يمكن قراءتها قراءة ثانية، وهي 2:2، لأن شعبين من شعوب المملكة المتحدة الأربعة صوتا لصالح البقاء.

 من جانبها، أوردت صحيفة “ديلي ريكورد” الاسكتلندية أن “أسكتلندا وإنجلترا لم تشعرا بالانقسام السياسي كما تشعران به في الوضع الحالي، الذي نتج عن تصويت يوم الخميس، حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي”.

 وكانت اسكتلندا وافقت في استفتاء أجري 2014، بنسبة 55 في المئة مقابل 45 في المئة على البقاء جزءا من المملكة المتحدة، لكن استطلاعات الرأي تشير إلى أن التأييد للاستقلال تزايد منذ ذلك الحين.

 وأظهر استطلاع جديد للرأي نشرت نتيجته الأحد الماضي صحيفة “صنداي تايمز”، أن 52 في المئة من الأسكتلنديين يؤيدون الانفصال عن بريطانيا، بعد قرار أكثرية الناخبين البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي.

 وقالت رئيسة وزراء أسكتلندا نيكولا سترجن، إن تنظيم استفتاء جديد على استقلال المقاطعة بات “مرجحا جدا”.

 ولقي هذا التوجه ترجيبا لدى مشرع ألماني كبير وحليف للمستشارة أنغيلا ميركل، الذي قال إن اسكتلندا مستقلة ستكون محل ترحيب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.


تراجع مطالبين بالخروج

 اهتمت الصحف الأجنبية لا سيما البريطانية، بتراجع الكثيرين ممن صوتوا لصالح الخروج، بعد الانتكاسات الاقتصادية، والجدل الكبير جراء الصدمة الأوروبية من النتيجة، ودشن بريطانيون عريضة جديدة تدعو لاستفتاء جديد على عضوية بلدهم في الاتحاد الأوروبي، بعد يوم واحد فقط على الاستفتاء.

وبهذه التوقيعات، يتعين على البرلمان البريطاني مناقشة العريضة التي جمعت الحد الأدنى، وهو 100 ألف توقيع.

 بإمكان البرلمان منع الخروج

 يعد الاستفتاء الذي أجري في المملكة المتحدة غير ملزم قانونيا، ويمكن للبرلمان البريطاني ألا يطبق نتائج الاستفتاء، فالاستفتاء ذو طبيعة استشارية وليس ملزما.

 وأوضح البرلماني من حزب العمال دافيد لامي، أن البرلمان “غير مجبر” على الخضوع لإرادة الشعب، وقال: “لسنا مجبرين على فعل ذلك.. دعونا نوقف هذا الجنون”.

 وقال الأستاذ في جامعة لندن للسياسة والاقتصاد، جو موركينز، بحسب ما نقل عنه الصحفيون، إن “البرلمانيين البريطانيين ممثلون للشعب وليسوا مندوبين”، مضيفا أن “مهمتهم ليست اتباع إرادة الشعب، وإنما وزن هذه الإرادة سياسيا، واتخاذ قرار بحسب ما يمليه عليهم ضميرهم”.

 لكن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي أعلن أنه سيستقيل، طالب الاثنين، بألا تجري أي محاولة في البرلمان لمنع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بعد الاستفتاء على الخروج، ودعا إلى احترام إرداة الشعب.

 حل ملف الهجرة

 مثّلت الهجرة الملف الرئيس والحاسم في تشكيل قرار الناخب البريطاني؛ إذ تغلب الخوف من الهجرة على الخوف من المشاكل الاقتصادية المتوقعة حال الخروج.

 ورأى عدد كبير من البريطانيين، أن قوانين الاتحاد الأوروبي هي التي تسببت فيما وصلوا إليه من تدفق مبالغ فيه للمهاجرين من أوروبا، الأمر الذي أثر سلبا في مستوى المعيشة في بريطانيا، وفق ما رأوه.

 وأوردت صحيفة “ديلي تليغراف” رسالة لوزير الصحة البريطاني جيريمي هانت، نشرتها الاثنين الماضي، قال فيها إن بريطانيا قد تجري استفتاء ثانيا على عضويتها في الاتحاد الأوروبي إذا تمكنت من إبرام اتفاق مع الاتحاد الأوروبي يسمح لها بالسيطرة الكاملة على حدودها.

 من جهته، أكد الكاتب البريطاني جدعون راخمان، في صحيفة “فايننشال تايمز”، في مقال سابق له، أن ملف الهجرة كان يمثل الورقة الرابحة بين المعسكرين المؤيد للخروج والمعارض له.

 واعتبر راخمان أن ملف الهجرة كان بمثابة هدية لصالح معسكر الخروج، إذ تضم ثلاثا من الحيثيات التي ارتكز عليها المدافعون عن خروج المملكة من الاتحاد، وهي: فقدان السيادة، وسوء تقدير النخبة الحاكمة للأمور، وصعوبة تحقيق إصلاح حقيقي في الاتحاد الأوروبي.

Author: fouad khcheich

Share This Post On

Submit a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Top

Pin It on Pinterest

Share This

مشاركة

شارك هذا المقال مع صديق!