حلم الدولة الكردية بين اتجاهين: اتفاق على الهدف.. واختلاف في التوقيت


هل يرغب الكرد في العراق بتأسيس دولة مستقلة لهم ؟ هذا السؤال لم يعد مثيرا للكرد ولا يحظى باهتمامهم الآن، لان السؤال الذي يبحثون الاجابة عنه هو : متى تظهر للوجود دولة كردية مستقلة ؟ هذه القضية الوجودية للكرد تثير الكثير من النقاشات الجوهرية بين النخب الكردستانية الثقافية والسياسية، بنفس مستوى حواراتها الشعبية ، لكنها تخوض في التفاصيل، لان الغالبية العظمى من كرد العراق مع مشروع اقامة دولة كردية مستقلة، بعد ان حرمتهم اتفاقية سايكس بيكو من حقهم المشروع قبل اكثر من مائة عام، ووقعوا فيها ضحية استراتيجيات دولية واستعمارية بعيدة المدى.

الحلم الكردي بدولة مستقلة – يقوم – ليس فقط على حقوق قومية، بل الى سابقة تاريخية بتأسيس أول دولة كردية في المنطقة، هي دولة مهاباد الشعبية الديمقراطية، التي تم اغتيالها بسبب الصراعات الدولية واختلاف المصالح ايضا .. ولدت جمهورية مهاباد عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية (22 كانون الثاني عام 1946) نتيجة عوامل دولية، بواسطة زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران قاضي محمد وشملت مساحتها 30% من المساحة الإجمالية لكردستان الشرقية.

كان الكرد يؤلفون ثالث أكثرية في إيران بعد الفرس والأذربيجانيين، أي حوالي سدس العدد الكلي لسكان إيران، ومع ذلك بدأت ومنذ أوائل الثلاثينيات سياسة صهرهم في إيران من خلال منع استخدام اللغة الكردية في المدارس والدوائر وترحيل الأكراد وتغيير أسماء المدن الكردية، الأمر الذي حفز على نمو حركة قومية تحررية كردية منذ أوائل الأربعينيات من القرن الماضي اتخذت شكل تنظيم سياسي تجلى في تشكيل الحزب الديمقراطي الكردستاني – إيران بزعامة قاضي محمد.

وبسبب صفقات سياسية دولية لتوزيع مناطق النفوذ في المنطقة، خذل السوفيت الكرد لتقوم طهران في كانون الأول عام 1946 باقتحام جمهورية أذربيجان ثم بعد ذلك بأيام اقتحمت هذه القوات جمهورية مهاباد لتقضي على هذه الجمهورية الفتية، ثم لتقوم بعد ذلك وتحديدا في آذار 1947 بإعدام قاضي محمد وعدد من معاونيه من قادة الجمهورية ومناضلي الحركة الكردية.

السقوط الدراماتيكي للدولة الكردية الاولى القى بضلاله على مستقبل فكرة الدولة القومية، بين الاندفاعات الثورية والواقعية السياسية والمخاوف من فشل تجربة ثانية قبل ان تتهيأ لها الظروف الموضوعية والذاتية للانبثاق وسط منطقة جيو سياسية تعج بالمشكلات المصيرية والحروب الداخلية الصغيرة منها والواسعة النطاق.

اتجاهان سياسيان يتحكمان في النظرة الى الدولة الكردية المرتقبة، لايختلفان على الفكرة وانما على التوقيت .. اتجاه يقوده رئيس اقليم كردستان والحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، يرى ان الظروف مهيأة الى حد كبير للعمل على اعلان الدولة، خصوصا بعد المشكلات الستراتيجية مع الحكومة الاتحادية في بغداد، فيما يتعلق بالمادة 140 من الدستور والمتعلقة بما اسماه الدستور “المناطق المتنازع عليها” وقانون النفط والغاز وتوزيع الثروات والمشاركة في القرار السيادي في البلاد.

وآخر ماطرحه هذا الاتجاه هو الاستفتاء الشعبي غير الملزم للوقوف على اتجاهات الرأي العام للشارع الكردستاني العراقي حتى الآن، وقد قوبل بمعارضة قوية من حركة التغيير التي يرأسها نيشروان مصطفى، وبدرجة اقل الاتحاد الوطني الكردستاني التي يتزعمه الرئيس العراقي السابق جلال طالباني.

وكان الكرد قد نفذوا استفتاءا عام 2005 بالتزامن مع الانتخابات العامة في البلاد، من قبل مجموعة من المثقفين والأكاديميين الكرد أطلق عليها “حركة الاستفتاء في كوردستان” بعد جمع تواقيع أكثر من 1.7 مليون مواطن عراقي كردي، سلمت الى الامم المتحدة مطالبة باجراء استفتاء حول استقلال اقليم كردستان العراق واعلان الدولة المستقلة المنشودة وحظيت المطالبة بدعم الاحزاب السياسية الكردستانية، وخاصة الحزبين الرئيسيين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، ولم تكن حركة التغيير قد انبثقت بعد من رحم الاتحاد الوطني، ووافق أكثر من 90% من الكرد على استقلال الاقليم واقامة الدولة القومية الكردية المستقلة.

وتستند مطالبة الاستفتاء في كردستان بحق تقرير المصير الى ماورد في ميثاق الأمم المتحدة عام 1948 معتبرين ان كردستان تم إلحاقها قسراً بالدولة العراقية عام 1924.

الاتجاه الثاني تتزعمه قيادات الصف الاول في الاتحاد الوطني بالتحالف مع حركة التغيير وهو اتجاه، لايختلف مع الاتجاه الاول سوى بالتوقيتات الزمنية، سواء باجراء الاستفتاء او اعلان الدولة الكردية المستقلة، ويعتقد هذا الاتجاه ان الوقت لم يحن بعد لتحقيق الحلم الكردي بسبب مشكلات البلاد الداخلية اولا والظروف الخارجية المتعلقة بموقف كل من ايران وتركيا، وربما ينتظر هذا الاتجاه الى حد كبير متغيرات الخارطة الجديدة للشرق الاوسط، التي اعلن عنها الاميركان وخصوص فكرة ان لاعراق ولاسوريا سيكونان كما هما على الخارطة الجديدة، ما يعني ان الخارطة الجديدة، ربما ستظهر فيها حدودا للدولة الكردية، وان رسمت بالدم كما قال السيد مسعود بارزاني، مؤكدا في مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية منتصف نيسان الماضي “أن استقلال كردستان أقرب من أي وقت مضى”، وهذا ما دعمه محمد جمعة المستشار السياسي للرئيس مسعود البارزاني، بالقول “إن العراق أصبح أمام أمر واقع من تحقيق الاستحقاق الكردي بحسب معاهدة سيفر الدولية”.

فيما قال الرئيس العراقي فؤاد معصوم، وهو احد ابرز القيادات التاريخية الكردية أنه “ليس هناك مشروع متفق عليه بين الكورد انفسهم في إعلان استقلال كوردستان بسبب وجود مشاكل كثيرة، بالرغم من وجود اجماع كوردي على فكرة الاستقلال، الا أن هناك خلافات سياسية عميقة بين الاحزاب الحاكمة للإقليم حول تقاسم السلطة”.
أكثر من 63 دولة ربما ستدعم توجهات البارزاني لتحقيق الحلم الكردي بقيام الدولة المنشودة، التي لو قامت فإنها ستعتبر الثانية بتاريخ الشعب الكردي.
مشكلات حقيقية بانتظار الحل او الحلول، قبل انطلاق الخطوات العملية لاعلان الدولة، من بينها قضية كركوك التي يعتبرها الكرد قدسهم التي لايمكن التنازل عنها تحت اية مظلة من المفاوضات أو الاشتراطات الاقليمية والدولية.
لكن مراكز البحوث الأكثر قرباً من بغداد تعتقد، أن معظم دول العالم ستقف إلى جانب كردستان، والواقع يثبت ذلك خاصة بعد أن داهم خطر داعش حدود أربيل عاصمة كردستان أثناء سقوط الموصل في حزيران 2014، في وقتها استنفر العالم كل قوته من أجل إبعاد خطر داعش عن الأراضي الكردية.
وتوقع تقرير صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية ومقره العاصمة البريطانية لندن أن يشهد العامان المقبلان انفصال إقليم كردستان عن العراق وإعلان الدولة الكردية، وأوضح التقرير أن الظروف المحيطة بإقليم كردستان وعدم قدرة الإقليم على تحمل الضغوط المالية من بغداد في عدم صرف الموازنة والسماح بتصدير النفط ستدفع بسلطات الإقليم لإعلان الدولة الكردية والانفصال، ويشير التقرير إلى أن تصدير النفط من الإقليم سيكون أولى ملامح الدولة الكردية خاصة وأن إشارات عديدة صدرت من الحكومة التركية تبين عدم وجود معارضة لقيام تلك الدولة.
فتركيا تنظر إلى إقليم كردستان كحليف استراتيجي وما زيادة حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 10 مليار دولار و تواجد قرابة 1600 شركة تركية في الإقليم والاستعداد لتصدير النفط الكردي إلى تركيا ومنه إلى العالم إلا إشارات صريحة على رضى تركيا لإعلان دولة كردية في شمال العراق.

وبحسب التقرير فإن إيران أيضاً لا تمانع في قيام الدولة الكردية لأن طهران تدرك تماماً أن ذلك يقلص من حصة العراق في أوبك خاصة وأنها تخطط للعودة بقوة لسوق النفط العالمية بعد رفع العقوبات عنها، مبينا ايضا، أن الولايات المتحدة و أوروبا لا تمانعان من جهتهما من إعلان الدولة الكردية لوجود معظم شركاتها النفطية في إقليم كردستان، مع اهتمام واضح بميزات العقود المبرمة مع الإقليم والرغبة في تجاوز عقبة الخلافات بين بغداد و أربيل التي تعرقل وصول الصادرات إلى الأسواق العالمية.

معظم المراقبين يشيرون إلى أن بغداد تتحمل جزءاً من المسؤولية عن أي قرار كردي بالانفصال لأن امتناع بغداد عن سداد حصة الإقليم من الموازنة والتي حددت بـ 17% و معارضتها لتصدير النفط من الإقليم لم يجعل للكرد خياراً آخر إلا بالبحث عن حلول لأزمتهم.

ولكن متى تنبثق الدولة الكردية على على اراضي اقليم كردستان العراق؟ هذا هو السؤال الذي ينتظر الكثير من الاجابات قبل ان ترى النور هذه الدولة التي يعتبرها استراتيجيو الكرد انها المقدمة الضرورية لدولة كردستان الكبرى التي تضم كرد تركيا وايران وسوريا…

مصطفى الحديثي

 

Author: fouad khcheich

Share This Post On

Submit a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Top

Pin It on Pinterest

Share This

مشاركة

شارك هذا المقال مع صديق!