فورين بوليسي: من سيحكم الموصل؟


تحولت عملية استعادة المدينة العراقية من تنظيم داعش إلى عملية محفوفة بالمخاطر في ظل المنافسة السياسية على السلطة. رغم أن إطلاق النار لم يبدأ بعد.

بدأت معركة تحرير الموصل من يد تنظيم داعش . ولكن حتى الآن يشتعل الصراع على الساحة السياسية، بين الطوائف العرقية والدينية المتناحرة في العراق التي انخرطت في صراع على السلطة حول كيفية استعادة ثاني أكبر مدينة في البلاد.

حيث تحتشد الجماعات المسلحة الكبرى في العراق بدعم من أسيادهم في الخارج، وهذه الأطراف هي العرب السنة المحليين المدعومين من تركيا، والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، والقوى الكردية المجهزة أمريكيًّا لاكتساب موطئ قدم لها في البلاد.

والخلاف المحتدم حول من يدخل الموصل سيحدد القوة التي ستسيطر على المدينة حالما – أو إذا –  تم طرد مسلحي تنظيم داعش منها. ولكن على الرغم من الاعداد للحملة بدأ منذ أكثر من عام ، إلا أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لم يتوصل بعد إلى خطة سياسية متماسكة يمكنه من خلالها  جسر الهوة بين الجماعات المتنافسة،  وفق مسئولين وخبراء أمريكيين.

 يراقب مسئولو ادارة أوباما عن كثب المكائد السياسية التي تحاك ضد على مدينة الموصل ذات الأغلبية السنية، والتي تقع على حدود المنطقة الكردية شبه المستقلة في شمالي العراق ولا تبعد عن الحدود الإيرانية سوى بضع ساعات بالسيارة. فيما يشعر مسئولون امريكيون بالقلق من أي سيناريو يميل التوازن بعيدا لصالح طرف واحد من تلك الأطراف المتصارعة – خاصة عندما تميل الكفى لصالح إيران أو القوات الكردية التي تنتوي السيطرة على مزيد من المناطق.

وقال أحد مسئولي الإدارة الأمريكية إن  الميليشيات الشيعية ذات الصلات الوثيقة مع إيران (والمعروفة باسم قوات الحشد الشعبي)، وقوات البيشمركة الكردية، وقادة العشائر السنية، وقادة الجيش العراقي “لديهم رؤية مختلفة لكيفية الوصول الى هناك .. إذا كان هناك الكثير من قوات الحشد الشعبي أو عناصر البيشمركة ، فإننا سنقع في مشكلة”.

في هذا السياق جاءت زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرًا، وهي الأولى منذ عام 2011، لتنسيق خطة واضحة لاستعادة المدينة مع دعوة القادة السياسيين للتوصل إلى توافق في الآراء بشأن كيفية استعادة الموصل .

وقد استولى تنظيم داعش على الموصل في شهر يونيو عام 2014، ما صدم المسئولين في إدارة أوباما التي حولت تركيزها إلى منطقة أخرى بعد خروج القوات الأمريكية من العراق في ديسمبر عام 2011 بعد أكثر من ثماني سنوات من الحرب ومقتل ما يقرب من 4500 من القوات الأمريكية. وهناك بعض أوجه التشابه بين صراع السلطة الدائر حول من سيحكم الموصل وبين الخلاف الذي نشب أثناء استعادة مدينة تكريت – مسقط رأس صدام حسين – وسط العراق في مارس 2015. وفي تلك الحالة، رفض القادة العسكريون الأمريكيون في البداية تنفيذ غارات جوية ضد مقاتلي داعش في تكريت حتى انسحبت الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران وسمحت لجيش الحكومة العراقية بأخذ زمام المبادرة.

فيما صرح مسئولون أمريكيون بأنهم مستعدون لإيقاف نيران مدفعيتهم  وقوتهم الجوية مرة أخرى إذا فشلت خطط استعادة الموصل في إعطاء جيش بغداد دورًا محوريًّا.

وعلى الرغم من شكوك قادة الجيش العراقي ومستشارين عسكريين أمريكيين، يصر هادي العامري، زعيم كتائب بدر أقوى الميليشيات الشيعية، على تولي جزء محوري من المعركة يتمثل في محاصرة المدينة من الخارج لتأمين القوات العراقية التي ستدخلها، وهي إشكالية بالطبع لأن كتائب بدر شاركت كذلك في استهداف القوات الأمريكية باستخدام القنابل المخترقة للدروع التي زودتها بها إيران.

وأكد العامري في حوار مع صحيفة فاينانشال تايمز في مارس الماضي أنه ” سيلعب الدور الأساسي في معركة الموصل”. مشددًا على أن ميليشياته لن تدخل المدينة،  ولكنها ستعزل وتطوق المنطقة، لتسمح للمقاتلين المحليين وقوات الأمن بالدخول الى الموصل.

وفي يوم 24 مارس، أعلن الزعماء العراقيين أنهم بدأوا هجوما على مدينة الموصل. ولكن وبعد مرور أكثر من شهر، وبصرف النظر عن بعض المناوشات في المناطق الريفية جنوب شرقي المدينة، قرب مخمور، لم تبدأ العملية الكبرى لطرد تنظيم داعش من الموصل، وليس هناك ما يشير لحدوث عمل عسكري وشيك.

ولم يكن التناحر الطائفي حول من من القوات ستقود الهجوم العسكري العامل الوحيد في تعقيد هجوم الموصل. فخلال الشهرين الماضيين، انشغل العبادي في الحفاظ على موقعه السياسي، كما أنه يسعى جاهدا لنزع التحديات التي يواجهها من الشيعة والتي تهدد سلطته في بغداد ، خاصة في ظل مخاوفه من استغلال رجل الدين المتشدد مقتدى الصدر للغضب الشعبي جراء الفساد والبطالة بين الشيعة الفقراء، حيث دبر الصدر احتجاجات حاشدة في بغداد وخارج المنطقة الخضراء، حيث تحتمي المكاتب الحكومية والبعثات الدبلوماسية وراء الجدران الخراسانية.

وفي محاولة منه لاستباق مطالب الصدر، اقترح العبادي تشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط. ولكن رئيس الوزراء فشل في كسب تأييد البرلمان لهذه الخطوة، ويرجع ذلك جزئيا لتردد السياسيين الشيعة في التخلي عن امتيازاتهم.

وقال بِن كونابل، ضابط المخابرات الأمريكي السابق التابع لقوات المارينز، والمحلل البارز الآن لدى راند، بعد زيارة قام بها مؤخرًا للعاصمة العراقية بغداد “العبادي غارق تمامًا في أزمته الداخلية، ومن الصعب أن يقاتل أي شخص حربًا بينما هو مشغول بأمنه والتهديدات السياسية التي تحيط به بشكل مباشر على المدى القصير”.

تدعم الولايات المتحدة وإيران حكومة العبادي التي يقودها الشيعة، كما أن كلا البلدين لا تأملان في سقوط الحكومة العراقية عندما بدأت الحملة ضد تنظيم داعش تكتسب بعض الزخم. ويتوقع مسئولون أمريكيون أن يتخطى العبادي  الاضطرابات السياسية، إلا أن محللين حذروا من أنه قد يظهر ضعفًا مما يجعله أكثر رضوخًا لضغوط الميليشيات الشيعية المتشددة.

وقال مسئول كبير في الادارة الأمريكية ” سيشعر العبادي بضغط هائل من إيران” لإعطاء مكنهم دورا هاما في عملية لاستعادة الموصل.

وبينما يهدد الصراع السياسي بتأخير عملية الموصل إلى أجل غير مسمى، تتصاعد التوترات الطائفية والعرقية، مما يهدد الائتلاف الهش لمحاربة تنظيم داعش.

وتعتبر الموصل عاصمة محافظة نينوى التي تقع على الحدود مع سوريا وكردستان العراق، وتعد أكبر تجمع متعدد الأعراق في المنطقة. فالعرب السنة قلقون من الكيفية التي سيتم التعامل معهم بمجرد طرد متطرفي داعش، وخاصة في ضوء المخاوف من المضايقات وسوء المعاملة التي ستقوم بها بعض وحدات البيشمركة الكردية والميليشيات الشيعية.

وقد وثقت جماعات حقوق الإنسان انتهاكات ضد السنة تقوم بها القوات الكردية ووحدات الميليشيات الشيعية في المناطق التي استردوها من تنظيم داعش، بما في ذلك مدن في محافظة نينوى. وقالت منظمة العفو الدولية في يناير إن قوات البيشمركة جرفت منازل أهل السنة شمالي العراق وحرقتها، انتقامًا منهم لدعمهم المزعوم للمتطرفين.

وكشفت هيومن رايتس ووتش في تقرير لها العام الماضي أن الاكراد منعوا العرب من العودة إلى قراهم في محافظة نينوى لعدة أشهر، تاركين للمدنيين الأكراد يستولون على الأرض. فيما منعت البيشمركة العرب من العودة إلى ديارهم بحجزهم في “مناطق أمنية”، مع حرمانهم من الخدمات الأساسية ومنعهم التحقق من ممتلكاتهم.

وفي حديث للفورين بوليسي، قال برونو جيدو – ممثل المفوضية العليا للاجئين في العراق – أن وكالة اللاجئين ستكون موجودة على الخطوط الأمامية أثناء هجوم الموصل في المستقبل لضمان عدم إساءة معاملة النازحين العرب بحجة المخاوف الأمنية.

وأضاف عبر الهاتف من أربيل: “اننا سوف نراقب ظروف المعاملة والتأكد من وجود الغذاء والماء والمأوى في مراكز الفحص وبالإضافة إلى التأكد من عدم وجود اعتقالات تعسفية”.

ونظرًا للحساسيات الطائفية والعرقية في الموصل، تفضل الولايات المتحدة والحكومات العربية والغربية تولي ميليشيا سنية زمام القيادة في المدينة. ولكن على الرغم من بذل واشنطن جهودًا متضافرة لمدة 18 شهرا لتسليح وتدريب وحدات من العرب السنة، فما زال المقاتلون السنة غير قادرين على القيام بهذا الدور بمفردهم.

ولا يزال الجيش العراقي مؤسسة هشة، ولا تتمتع بثقة أو ولاء العديد من العراقيين السنة الذين لا يزالون ينفرون من الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد. وقال خبراء وضباط في الجيش الأمريكي إن الجيش العراقي سيواجه تحديا كبيرا لتأكيد سلطته في الموصل إذا رفضت الفصائل المتناحرة نزع سلاحها واتفقت على تقاسم السلطة الذي كان أمرا بعيد المنال لسنوات.

وخلال العملية العسكرية في تكريت العام الماضي، قلق المسئولون الامريكيين من سلوك الميليشيات الشيعية تجاه السكان السنة في المدينة. وتحققت هذه المخاوف عندما أحرقت المليشيات ونهبت المنازل في الضاحية الجنوبية والشرقية من تكريت. ولكن في الموصل، فالخصومات التاريخية بين القوات الكردية والعرب السنة قد تخلق مشكلة أكبر. حيث يطالب الاكراد بالكثير من الأراضي شرقي المدينة، حيث أجلاهم صدام حسين منها بالقوة خلال سياسات “التعريب” التي نفذها في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.

وتولي تركيا المجاورة أيضا اهتماما كبيرا بمرحلة ما بعد تحرير الموصل، المدينة التي كان يحكمها الإمبراطورية العثمانية لقربة الأربعمائة عام.

في ديسمبر الماضي، ودون الحصول على إذن من بغداد، نشرت تركيا عدة مئات من الجنود وكتيبة مدرعة من نحو 20 دبابة في قاعدة عسكرية في جبل بعشيقة، الذي يقع على بعد عشرة أميال شمال شرقي الموصل. ولا تزال القوات رابضة هناك، رغم مطالبات الحكومة العراقية المتكررة بمغادرة البلاد.

6500 منظمة ومجهزة من قبل أثيل النجيفي، وسليل عائلة من ملاك الأراضي قوية من الموصل. ويقول محللون ان النجيفي، الذي حكم محافظة نينوى حتى إقالة أعضاء البرلمان العراقي له العام الماضي بتهمة الفساد وزعم بالتواطؤ مع الدولة الإسلامية، لديها مخططات للعودة باسم حاكم الإقليم، أو ربما ليصبح رئيس بلدية الموصل.

وقبل أن ترسل تركيا تلك القوات، تمركز عدد قليل من المستشارين العسكريين الأتراك في قاعدة تدريب قوة قوامها 6500 مقاتل سني، بقيادة أثيل النجيفي وأخيه أسامة، اللذين ينحدران من أحد أبرز عائلات الموصل، فأثيل حكم محافظة نينوى سابقًا قبل أن تدب الخلافات بينه وبين بغداد ما دفع البرلمان إلى إقالته العام الماضي بتهم الفساد والتواطؤ مع تنظيم داعش، وهو ربما يريد العودة إلى موقعه السابق، أو على الأقل أن يصبح رئيس بلدية الموصل،  أما شقيقه، أسامة النجيفي، كان يشغل سابقًا منصب المتحدث باسم البرلمان العراقي ونائب رئيس البرلمان.

ظاهريا، تحمي القوات التركية قاعدة في جبل بعشيقة من هجمات داعش بقذائف الهاون كمستشاري تدريب للميليشيات السنية والتي تكون في معظمها دورات لمدة شهر في تدريبات القتال الأساسية والرماية. لكن محللين يقولون إن الدافع التركي الفعلي في إرسال التعزيزات هو تأمين مصالحها على نحو أفضل في مرحلة ما بعد تحرير الموصل. غير أنه بالنظر إلى حجم رفض بغداد لمعسكر التدريب التركي من جانب واحد، فمن غير المحتمل أن تشارك تركيا مباشرة في عملية تحرير الموصل.

 وقال  آرون شتاين، زميل بالمجلس الأطلنطي ومتخصص بالشئون التركية  “الإخوة النجيفي حليفا تركيا القويّان.. وهما يعتقدان أن قواتهما القبلية يجب أن تمتلك اليد العُليا في الموصل بعد تحريرها، وهو السبب في وجود دبابات تركيا على تخوم المدينة”  مضيفًا أن “عائلة النجيفي وجيشها الخاص هي الجزء الرئيسي من خطط تركيا للموصل ما بعد التحرير.”

وتوقع أنقرة بين رئيس كردستان العراق وبين منافسيه، أعدى أعداء وتركيا ، المتمثل في حزب العمال الكردستاني، الذي حقق مكاسب واسعة في سوريا وأسس موطئ قدم في منطقة سنجار شمال غرب العراق. ويقال إن أربيل أعطت أنقرة الحق في معسكر بعشيقة، وشاركت في عملية مشتركة مع القوات التركية وحلفائها العرب لتحرير قريتين شمالي الموصل. إنها استراتيجية حساسة من استغلال المنافسات البينية الكردية في حين تخفي حيف المظالم الكردية – العربية الأخرى.

وخلال فترة الاحتلال الأمريكي 2003 – 2011، كانت الموصل أحد المعاقل الكبرى الأخيرة لتنظيم القاعدة في العراق، تلك الجماعة الارهابية التي تحولت فيما بعد إلى ما يعرف الآن بتنظيم داعش. واستعادت الجماعة السنية المتطرفة قوتها بعد رحيل القوات الأمريكية عن العراق وتغذت قوتها من تهميش الحكومة المركزية التي يهيمن عليها الشيعة للسنة العراقيين وإزاحتهم من السلطة. فيما حذر محللون من داخل وخارج العراق من أن السنة طالما يشعرون بحرمانهم من حقوقهم  فسيكون من المستحيل القضاء على التطرف العنيف في الموصل والمناطق الأخرى في العراق.

ليست وحدها السلطات العراقية التي تفتقر لخطة سياسية متماسكة لاستعادة الأمن وبعض مظاهر الحكم في الموصل، ولا يبدو   أن بغداد والمجتمع الدولي على استعداد لمواجهة المهمة الإنسانية وإعادة الإعمار في حال خروج تنظيم داعش من الموصل. وعلاوة على ذلك، فقد خلق تراجع أسعار النفط أزمة مالية للحكومة العراقية، مما دفع نداءات عاجلة لمساعدات المانحين.

وقال روبرت بليتشر –  نائب مدير برنامج شئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى منظمة مجموعة الأزمات الدولية غير الحكومية –   “بقاء المدينة تحت حكم داعش ، في الوقت الحاضر، هو الخيار الأقل سوءًا بالنسبة لكافة الأطراف وهو السبب الرئيسي في تأخر المعركة حتى الآن، وربما حتى خريف هذا العام أو حتى ربيع عام 2017، فالجميع هنا يفضل استمرار داعش في الموصل عن خسارتها للأبد لصالح غريمه الإقليمي أو الطائفي أو العرقي” .

وأضاف أنه ” بالنسبة للجميع، عدا الولايات المتحدة، يمثل تنظيم داعش مصدر قلق ثانوي. وهو أفضل من أي طرف آخر في الموصل”.

Author: fouad khcheich

Share This Post On

Submit a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Top

Pin It on Pinterest

Share This

مشاركة

شارك هذا المقال مع صديق!