مازالت دول أوروبا تعيش حالة من القلق من احتمالات وقوع عمليات إرهابية، وسط تسريبات وتقارير استخبارية من احتمالات تنفيذ داعش عمليات انتحارية جديدة في عواصم أوروبية ربما في باريس أو إسبانيا او إيطاليا.
ومهما كانت صحة هذه التقارير أو احتمالات تسريباتها فإنها من شأنها تعمل على استنزاف قدرات أجهزة الأمن والشرطة لدول أوروبا. حالة التاهب والانذار، من شأنها ان تخفض العمليات الارهابية، لكنها لاتمنع وقوع عمليات ارهابية محتملة. وفي كلتا الحالتين فقد نجح تنظيم داعش في سياسة استنزاف دول اوربا اقتصاديا وامنيا. التنظيم يستنسخ حرب تنظيم القاعدة ضد الولايات المتحدة منتصف عقد التسعينات التي تحولت الى حرب استنزاف عن بعد.
أفادت تقارير إعلامية ألمانية يوم 19 ابريل 2016 أن داعش يخطط لإرسال متطرفين متنكرين في هيئة بائعي المرطبات، لتنفيذ عمليات انتحارية بأحزمة ناسفة وتفجير قنابل مدفونة تحت كراسي الشواطئ في المنتجعات الإسبانية، الفرنسية والإيطالية. تقرير قناة العربية، كشف عن وجود معسكر تدريب لتنظيم داعش في السنغال، على البحر وان المقاتلين الاجانب يحملون تاشيرات جاهزة وجوازات سفر تمكنهم من دخول اوربا خاصة فرنسا وايطاليا واسبانيا. يذكر ان تونس شهدت خلال عام 2015 عملية ارهابية على غرار سيناريو داعش المحتمل وراح ضحيته عشرات الضحايا من المدنين.
ورغم ان التقاريرالاعلامية قالت بانها إستراتيجية جديدة تتبعها داعش لضرب اوربا بهدف ضرب السياحة في اوربا واستنزافها اقتصاديا، فهي امتداد الى إستراتيجية و خطط داعش بأستهداف عواصم اوربية في اعقاب تفجيرات باريس 13 نوفمبر 2015. وهنالك مبالغة من قبل الاستخبارات الايطالية والالمانية في تناول مثل هذه المعلومات او التسريبات، لكن رغم ذلك استخباريا يجب التعامل معها في مهنية وعدم ترك اي خبر او معلومة تتعلق بتهديدات الامن القومي.
ردود افعال اوروبية
- أعلن وزير الداخلية الفرنسي “برنار كازنوف” يوم 19 ابريل 2016، تعزيز وحدات النخبة في قوات الأمن الفرنسية وتحسين التنسيق بينها لمواجهة اعتداءات واسعة كالتي ضربت فرنسا في نوفمبر 2015. وأوضح أن مراكز جديدة لمجموعة التدخل في الدرك الوطني ولمجموعات أخرى من الشرطة سيتم إنشاؤها في المناطق كما ستتم مضاعفة أعداد شرطة مكافحة الجريمة في باريس والتي تعد حالياً نحو 100 عنصر.
- حذر مدير هيئة التنسيق لتقييم الخطر الإرهابي في بلجيكا “بول” أن مقاتلين أجانب في سوريا يرغبون في التوجه إلى أوروبا لتنفيذ اعتداء، وذلك في اعقاب هجمات مطار بروكسل نهاية شهر مارس 2016.
- اعتبر وزير الدفاع البريطاني “مايكل فالون” انتشار مقاتلي ذلك التنظيم الإرهابي على السواحل الليبية تهديدا لأوروبا، وقال: “لدينا مصلحة تامة في ضمان الأمن داخل ليبيا مستقرة ليبيا أمام باب منزلنا”.واعتبر وزير الدفاع النمساوي هانز بيتر دوسكوتسيل خطط توسيع المهمة الأوروبية في البحر المتوسط “خطوة أولى سليمة”.
ماهو التهديد؟
ويمثل تدفق المهاجرين والاجئين عبرالسواحل الليبية تهديدا الى دول اوربا خاصة ايطاليا، التي لاتبعد عنها الا 200 ميلا. ومايزيد في مخاوف الاوربين هو ماتعيشه ليبيا من فوضى وتمدد لتنظيم داعش. السواحل الليبية كانت وماتزال نقطة انطلاق الى موجات اللاجئين والمهاجرين تحديدا من افريقيا. التقديرات تقول بان الاشهر الحالية ربما تشهد تصاعدا في عمليات مهربي البشر الى ايطاليا عبر السواحل الليبية، في اعقاب جهود الاتحاد الاوربي بالحد من تدفق اللاجئين عبر تركيا ـ بحر ايجه. ويجدر الإشارة إلى أن أكثر من 150 ألف لاجئ وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي عبر ليبيا خلال عام 2015.
مشروع تسيير سفن حربية عند السواحل الليبية
وتناقش الان دول الاتحاد الاوربي تسيير سفن حربية عند السواحل الليبية، على غرار مايجري الان في بحر ايجه وبدعم من دول “الناتو” ووكالة “فرونتيكس” وكالة حماية الحدود. الهدف من ذلك هو الحد من تدفق اللاجئين والمهاجرين وعمليات تهريب البشر والسلاح.
لكن تبقى عملية نشر سفن حربية قبالة السواحل الليبية مرتبط بموافقة الحكومة الليبية، وهذا ما عكسته تصريحات وزيرة الدفاع الألمانية “فون دير لاين” يوم 19 أبريل 2016 خلال اجتماع لوزراء دفاع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ: “الشرط الأساسي لتوسيع المهمة في البحر المتوسط هو دعوة من الحكومة الليبية للدخول إلى المياه الإقليمية”، مضيفة أن هذه الدعوة لم توجه بعد وأن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى وقت للإعداد. وبسبب الضغوطات التي تتعرض لها اوربا من قضية قوارب الموت ناشد الاتحاد الأوروبي مجلس الأمن الدولي في 11 مايو 2015 مجلس الأمن الدولي دعم خططه لوقف تدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط. وتتضمن الخطط الأوروبية، تحديد السفن المستخدمة في تهريب المهاجرين وضبطها قبل أن يستخدمها مهربي البشر.
النتائج
- كشفت خلايا تنظيم داعش في تفجيرات باريس نوفمبر 2015 وبروكسل مارس 2016، بوجود علاقات عائلية وعلاقات صداقة حميمة وغالبيتهم كانت تقيم في حي “مولينبيك” ـ بروكسل. وهذا يعني ان افراد عائلة المتورطين في عمليات ارهابية او دائرة صداقاتهم، ممكن ان ينفذوا عمليات انتحارية.
- لاتوجد لحد الان إستراتيجية واضحة حول محاربة تنظيم داعش في ليبيا، ووفقا الى تصريحاد وزراء دفاع دول اوربا يبدو ان الخيار العسكري، لم يزل بعيدا وربما يحتاج الى قرار سياسي او تحضيرات فنية، لتنفيذ اي عمليات عسكرية محتملة في ليبيا.
- تصريحات البنتاغون والاستخبارات المركزية اكدت بان التدخل العسكري في ليبيا، سيكون محدودا اي تقديم المشورة الى الحكومة اللبيبية والجماعات المسلحة على ارض لمحااربة داعش.
- إن اي تنسيق معلوماتي اوتعاون امني لمواجهة قضية قوارب الموت او غيرها من القضايا في المنطقة، لايمكن ان يكتب له النجاح دون وجود حكومات او انظمة سياسية مستقرة، وهذا مابات غائبا في القضية الليبية التي تضرب بتداعياتها دول الاتحاد الاوربي عبر المتوسط وكذلك دول اخرى في شمال افريقيا.
- إن تهديدات تنظيم داعش الى دول اوربا يبقى قائما، فلا توجد دولة بمأمن عن الارهاب.
- يحصل تنظيم داعش على تعزيزمصادره البشرية من خلال تحالفاته مع الجماعات المتطرفة في دول الساحل، شمال افريقيا وكذلك بوكو حرام ـ غرب افريقيا.
- إن دول الاتحاد الاوربي، ربما تحاول الوصول الى اتفاق مع الحكومة الليبية ـ حكومة السراج وتقديم الدعم السياسي والمالي لمسك السواحل الليبية والحد من تدفق المهاجرين واللاجئين الى اوربا، على غرار اتفاق دول الاتحاد مع تركيا.
- إن إستراتيجية داعش الان تقوم على استهداف العواصم الاوربية، واستنزاف قدرات دول اوربا اقتصاديا وامنيا، وسط استمرار حالة التاهب، وتسريب المعلومات حول حقيقة تلك التهديدات.
التوصيات
ماتحتاجه اوربا الان هو تخفيض حالة التاهب وانذار في الشارع الاوربي، وتهدئته من روع تهديدات داعش ان كانت حقيقية او مسربة. ذلك باعتماد المعلومات وتعقب المطلوبين الحقيقين واخضاعهم للمراقبة اكثر من رفع حالة التأهب في الشارع. ويجدر باجهزة الاستخبارات الاعتماد على مصادر تتمتع بمصداقية جيدة بالحصول على معلومات حول التنظيم من الداخل وعدم التعامل مع التسريبات او الاخبار الواردة من متبرعي المعلومات او مصادر بعيدة. ولكن هذا لايعني عدم التعامل مع تلك الاخبار والتسريبات ابدا.
إن معالجة تدفق اللاجئين والمهاجرين عبر السواحل الليبية، يحتاج بذل دول الاتحاد الاوربية ودول الغرب، بأيجاد إستراتيجية لمحاربة الارهاب جذريا تتضمن معالجة البطالة وايجاد حزمة من المشاريع الاقتصادية لمواجهة التطرف والارهاب في قارة افريقيا ودول الساحل.
جاسم محمد
*باحث في قضايا الارهاب والاستخبارات*