تحدّيات بالجملة، وملفات على قدر من الأهمية ورهانات تتصدّر لائحة أولويات الرئيس الجديد، أبرزها نزع سلاح الميليشيات، وإعادة هيكلة الجيش، وإصلاح الإقتصاد، إضافة إلى عودة اللاجئين والمصالحة الوطنية، فيما يلي استعراض لأبرز تفاصيلها:
– نزع سلاح الميليشيات:
اندلعت الأزمة في إفريقيا الوسطى مع الإنقلاب الذي أطاح، في مارس/ آذار 2013، بحكم الرئيس حينها فرانسوا بوزيزيه (2003- 2013)، لتبلغ ذروتها في ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، عقب اندلاع المواجهات بين تحالف “سيليكا”، وهو الإئتلاف السياسي والعسكري المسؤول عن الإنقلاب، وميليشيات “أنتي بالاكا” للدفاع الذاتي.
ميليشيات مسلّحة يفرض خروج البلاد من الأزمة ومن المرحلة الإنتقالية، إثر انتخابها لمؤسساتها الدائمة مؤخرا، نزع سلاحها، بحسب أستاذ القانون العام بجامعة داكار السنغالية، آرونا ندياي، والذي أشار، في حديث للأناضول، إلى أنّ برنامج “نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج” الأممي ينبغي أن يطبّق على تلك الميليشيات “بالحرف الواحد”.
ويقضي هذا البرنامج والذي يعدّ من أهم التوصيات التي تمخّض عنها منتدى بانغي للسلام، المنعقد الصيف الماضي، بتجميع مقاتلي الميليشيات، وذلك قبل الإنتخابات، في مواقع حيث يقع نزع سلاحهم والتكفّل بهم، كما يمكنهم، في مرحلة موالية، المطالبة بالإدماج صلب الأجهزة النظامية للدولة. غير أنّ نقص الموارد المالية حال دون تفعيل هذا البرنامج حتى الآن.
من جانبه، قال المحلل السياسي والمحاضر بجامعة نجامينا التشادية، أحمد يعقوب دابيو، إنّه “يتعيّن على إفريقيا الوسطى الحصول على الدعم الفني، في هذا التمشّي، من البعثة الأممية في البلاد (مينوسكا)، بما أنّ الصناديق الأجنبية وخصوصا الأوروبية منها، بوسعها تحريك المسألة”.
– إعادة تأهيل الجيش:
تيموليون مبايكوا، جامعي من إفريقيا الوسطى، وهو أيضا أحد المرشّحين الخاسرين في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد في 30 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أوضح من جهته، أنّه “يتعيّن على القوات المسلّحة لإفريقيا الوسطى، والتي وقع تجميع عناصرها رسميا، منذ 2013 في مخيّمات عسكرية، وتعدّ نحو 8 آلاف رجل، الأخذ بزمام تأمين البلاد، وذلك في أقرب وقت ممكن”.
أما التشادي يعقوب دابيو، فرأى أنّ “الدعم الأممي أمر حتمي في هذا الصدد، نظرا للإنطلاقة الجديدة للجيش”، مستعرضا في هذا السياق شروع بلده تشاد في تدريب بعض الجنود من إفريقيا الوسطى، للمساعدة في تأمين حدودها، لافتا إلى أنّ “هذا الأمر يظلّ غير كاف بالنظر إلى التحدّيات الأمنية التي تنتظر تواديرا”.
وفي سياق متصل، قال ندياي إنّ “عملية سانغاريس الفرنسية في إفريقيا الوسطى قلّصت تدريجيا من عدد رجالها (إلى حدود 900 رجل)، لتتحوّل إلى قوة تأطيرية للقوات المسلحة للبلاد، في خطوة تشبه إلى حدّ ما ما تقوم به بعثة التدرميب التابعة للاتحاد الأوروبي في مالي”، معتبرا أنه، وعلاوة على ما تقدّم، فإنه يتعيّن على الرئيس تواديرا أن ينشط دوليا، لإلغاء أو في أسوأ الحالات، الحدّ من حظر الأسلحة المفروض على بلاده من قبل الأمم المتحدة، منذ بداية الأزمة ومن المنتظر أن يتواصل سريانه حتى موفى يناير/ كانون الثاني 2017”.
– إصلاح الإقتصاد من خلال إمتصاص البطالة:
بناتج محلي إجمالي لا يتجاوز الـ 338.7 دولار للفرد الواحد، تعتبر إفريقيا الوسطى بعد بوروندي، من أفقر بلدان المعمورة، بحسب أحدث تقارير صندوق النقد الدولي. يعقوب دابيو أشار إلى أنه بإمكان هذا البلد الإعتماد، على الأرجح، على دعم البلدان الإفريقية المستقرة اقتصاديا، ولكن أيضا على المنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”.
دعم دولي يرى المحلل السياسي إنه يدخل ضمن “الواجب النابع من مبادئ التضامن الدولي”، لافتا إلى أنّ “بلدا مثل غينيا الإستوائية سبق وأن موّلت جزءا من الإنتخابات الأخيرة، ودعمت الإنتقال السياسي منذ وقت طويل، وإفريقيا الوسطى بحاجة إلى دعم هذا البلد”.
– عودة اللاجئين:
ملفّ يعتبره نارسيس واراغوا، الأستاذ الجامعي في العلوم والإدارة البيئية في البلدان النامية، بجامعة بانغي، “التحدّي الكبير وفائق الحساسية”، مشيرا للأناضول، إلى أنّ “الكثير من المنازل والممتلكات دمّرت في إفريقيا الوسطى، ولذلك ينبغي إقرار الترتيبات اللازمة لعودة هؤلاء الأشخاص إلى منازلهم ومساعدتهم على الإستقرار من جديد”.
أهمية هذا الملف أكّدها أيضا أحد المستشارين برئاسة الوزراء في إفريقيا الوسطى، والذي قال للأناضول، مفضلا عدم نشر هويته، إنّ عودة اللاجئين “قد تكون من التحديات الأصعب التي سيواجهها تواديرا، لأن هذه المسألة لا تعتمد فقط على الإرادة السياسية الوطنية، ولكن أيضا على جهود الوكالة الأممية للاجئين”، مضيفا أنّ “بلدانا أخرى تعيش أوضاعا أفضل منا، ولازالت تكابد من أجل إدماج لاجئيها رغم انقضاء سنوات على نهاية أزماتها”، من ذلك أن 38 ألف لاجئ إيفواري ممن فروا من الحرب الأهلية في البلاد لا يزالون في ليبيريا المجاورة.
المصدر نفسه كشف أنّ نحو 470 ألف ساكن من إفريقيا الوسطى، بين مسلمين ومسيحيين، غادروا البلاد في السنوات الأخيرة، بحثا عن ملجأ في دول الجوار، بحسب مفوضية اللاجئين للأمم المتحدة، في حين بلغ عدد النازحين في كامل أرجاء البلاد، إلى حدود ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حوالي 300 ألف.
– المصالحة الوطنية:
هو أيضا من الأولويات والملفات “العاجلة”، والتي من البديهي أن تعقب النزاعات سيما الطائفية منها، بحسب خبراء، وفي ظل الخسائر الفادحة التي تكبّدتها إفريقيا الوسطى، حيث قتل خلال الأزمة الآلاف من الناس، في حين دمر 417 مسجدا من جملة المساجد الـ 436 التي تضمها البلاد، من قبل المجموعات المسلحة في السنوات الأخيرة، وفق أرقام الأمم المتحدة.
وتماما مثل “نزع السلاح”، فإنّ هذا الملف يعتبر أيضا من توصيات منتدى بانغي للسلام، والذي أقر تشكيل هيئات من المنتظر أن تمكّن من تحقيق العدالة والمصالحة في البلاد، من خلال إنشاء لجنة الحقيقة والعدالة والمصالحة، مدعومة بلجان محلية للسلام والمصالحة.
أرونا ندياي لم يستبعد في هذا الصدد، “تدخّل بعض الشخصيات الدولية” مثل كبير أساقفة جنوب إفريقيا السابق، ديزموند توتو، لتهدئة النفوس وتيسير عمل المؤسسات الجديدة، كما أن “الزيارة التي قام بها البابا فرانسيس، الصيف الماضي، إلى العاصمة بانغي تندرج في هذا الإطار، في حين سيكون للمسلمين دور للعبه من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي، والذي غالبا ما يسجّل حضوره في مثل هذه المسارات”، على حدّ تعبير الخبير.