يشهد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» تساقط عدد من قياداته من الخط الثاني، وكأن الولايات المتحدة تعيد تجربتهما بحصد رؤوس تنظيم القاعدة في أفغانستان واليمن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. ورفعت عدة عواصم أوروبية حالة التأهب من مخاطر أعمال إرهابية جديدة، لتعيد للأذهان أحداث 11 سبتمبر عام 2001.
إن تساقط قيادات تنظيم داعش من الخط الثاني الواحدة تلو الأخرى، يثير الكثير من التساؤلات والتكهنات، حول من يخلف ابراهيم عواد، المكنى أبوبكر البغدادي زعيم التنظيم. وما يزيد القضية تعقيدا أن فقه الجماعات المتطرفة تنص: [بأن”الخليفة” يجب أن يجمع شروط الولاية كالعلم الشرعي والنسب القرشي وسلامة الحواس، سائرالوظائف الدينية والدنيوية المذكورة في التراث السياسي الإسلامي السني وفقه الأحكام السلطانية، كقائد ديني وسياسي له حق الطاعة بعد اختياره من قبل مجلس الشورى وأهل الحل والعقد.] وتعتمد البنية التنظيمية لهذه الجماعة على هيكلية هرمية يكون فيها زعيم التنظيم على رأس الهرم، وهو من يتحكم بالقرارات ومصير التنظيم، على عكس ماجاء به فقه التنظيم من نصوص مجلس الشورى او اصحاب اهل الحل والعقد. البغدادي هو من يشرف بشكل مباشر على جميع مجالس التنظيم ابرزها: مجلس الشورى، العسكري، الشرعي والامني والهيئة الاعلامية.
نشأت “الدولة الاسلامية”
تاسست في اعقاب مقتل ابو مصعب الزرقاوي 2006 وانطلقت منها جبهة نصرة الشام حتى انشقاق الاخيرة ومبايعتها الظواهري في ابريل 2013. تعتبر من اكثر التنظيمات قدرة بشرية وعسكرية بزعامة ابو بكر البغدادي الذي تزعم التنظيم في اعقاب مقتل ابو بو عمر البغدادي 2010. بدا التنظيم بالتوسع جغرافيا وتنظيميا بانضمام عدد من الفصائل من تنظيمات اخرى بسبب مايقدمه التنظيم من رواتب وامتيازات وهو الاكثر عنفا. كانت ألمنطقة الغربية في اعقاب الغزو الاميركي للعراق 2003 ملاذ الى تنظيم القاعدة ثم ” الدولة الاسلامية ” والى تنظيمات “جهادية” اخرى واختلطت مابين المقاومة والارهاب كثير حتى عام 2006 لتقاتل عشائر الانبار تنظيم القاعدة وتخرجه من مناطقها بعد ان عجزت الحكومة والقوات الاميركية، لكن بقيت المنطقة الغربية تمثل ملاذا جغرافيا أحاديا لما يسمى بالدولة الاسلامية “.
وقد واجه التنظيم الكثير من الانتقادات ابرزها انتقاد منظر التيار السلفي الجهادي في الاردن أبومحمد المقدسي في بيان اعلان دولة “الخلافة الاسلامية” مطلع شهر يوليو 2013 منددا بتوعد تنظيم “الدولة الاسلامية” مخالفيه “بفلق هاماتهم بالرصاص” .وتساءل عاصم البرقاوي الملقب بابو محمد المقدسي في بيان “هل ستكون هذه الخلافة ملاذا لكل مستضعف وملجأ لكل مسلم أم سيتخذ هذا المسمى سيفا مسلطا على مخالفيهم من المسلمين ولتشطب به جميع الإمارات التي سبقت دولتهم المعلنة ولتبطل به كل الجماعات التي تجاهد في سبيل الله في شتى الميادين قبلهم؟”.
من هو ابو بكر البغدادي:
هو إبراهيم عواد ابراهيم البدري، كنيته السابقة أبو دعاء و عمل محاضراً في الدراسات الإسلامية، وإماماً لجامع أحمد بن حنبل في سامراء، ومن ثم إمام جامع في بغداد، وآخر في الفلوجة. اعتقلته القوات الأميركية في 4 يناير 2004. أسس في وقت سابق تنظيماً تحت اسم جيش أهل السنة، والتحق بعدها بالقاعدة، وأصبح الرجل الثالث في التنظيم. تولى القيادة خلفاً لأبو عمر البغدادي. ورغم ان بعض التقارير وصفته بانه بتمتع الخبرة والتكتيكات العسكرية القتالية، الا ان الحقائق تعكس غير ذلك تماما، وتجبرته لا تتعدى تدريس مادة الشريعة لكنه يعتمد على مجموعة خبراء عسكريين منحو ولائهم للبغدادي
“ألخليفة” اماما اكثر من زعيم تنظيم
ظهر”امير المؤمنين” ابراهيم لاول مرة في خطبته الاولى من داخل الجامع الكبير في مدينة الموصل بعد اعلان “الخلافة” يونيو 2014 . وطرح ابو بكر البغدادي، نفسه اماما وخليفة اكثر من ان يكون زعيم تنظيما. واشار في خطبته بطلب الطاعة باعتبارها واجب شرعي. وقد ظهر “امير المؤمنين” بحالة مستريحة، وبشكل علني وهي سابقة “جهادية “ان يؤم زعيم تنظيم مسلح الى المسلمين في صلاة جمعة بشكل علني وظهر بجلباب وعمامة سوداء، على خلاف ماهومتعارف عليه في امامة اهل السنة ومشايخها بان تكون العمامة بيضاء، العمامة السوداء تنحصر في بيت رسول الله (ص) وهذا يعني بانه منح نفسه نسبا، ربما لاينتسب اليه مطلقا. وعكست خطبة البغدادي خبرته في الخطابة، بالاستشهاد بايات الذكر الحكيم واقوال الصحابة وبطريقة خطابية ليثبت بانه فعلا كان خطيبا واماما قبل الالتحاق بالعمل المسلح.
مقتل أبو علاء العفري
أكد وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر يوم 25 مارس 2016 مقتل الرجل الثاني في تنظيم داعش ” ابو علاء العفري” وكان العفري يشغل منصب وزير المالية في التنظيم، لكن اهميته داخل التنظيم تفوق ذلك. وهذا القيادي هو ثاني مسؤول كبير في القائمة يُقتل في أقل من شهر. فقد أعلنت الولايات المتحدة في الرابع من مارس 2016 مقتل مسؤول كبير آخر هو أبو عمر الشيشاني. العملية جائت تماما في اعقاب تفجيرات مطار بروكسل يوم 22 مارس 2016.إن تساقط قيادات تنظيم داعش من الخط الاول والثاني الواحدة تلو الاخرى، يثير الكثير من التسائولات والتكهنات، حول من يخلف ابراهيم عواد، المكنى ابو بكر البغدادي زعيم التنظيم.
ابرز الرؤوس التي خسرتها داعش:
خسر التنظيم قياداته العسكرية الرئيسية، ابرزها : حجي بكر، وهو سمير عبد محمد الخليفاوي، وكان الشخص الثاني في التنظيم الذي قتل في سوريا عام 2013، ثم شغل المنصب بعد مقتله أبو عبد الرحمن البيلاوي، وهو عدنان إسماعيل البيلاوي، الذي قُتل في يونيو 2014. وأعلن المتحدث باسم تنظيم “داعش” أبو محمد العدناني يوم 13 أكتوبر وفاة الملقب “أبو معتز” والمعروف باسم “أبو مسلم التركماني” في غارة أمريكية. وكانت واشنطن قد أعلنت قبل ذلك مقتل “أبو معتز”، وقالت أيضا إنه الرجل الثاني في التنظيم المتطرف، وإن اسمه الحقيقي هو فاضل أحمد عبدالله الحيالي مؤكدة مصرعه في غارة أمريكية قرب الموصل في العراق، والان مقتل ابو علاء العفري في 25 مارس 2016.
النتائج
مازالت قضية من يخلف ابو بكر البغدادي زعيم داعش، موضع تكهنات وفقا لاراء العديد من الخبراء المختصين بهذا الشأن. إن تجربة التنظيمات السابقة القاعدة وطالبان وفصائل اسلاموية مثل جيش الاسلام بمقتل علوش واحرار الشام تفيد بانه لاتغير في الهيكلية للتنظيم بعد مقتل راس الهرم، لكن بدون شك تفقد التنظيمات علاقاتها العامة وتتضرر مصادر تمويلها وربما مصادر تدفق المقاتلين. ومايتعلق بتنظيم داعش فان التقديرات تشير بأن اطراف الصراع داخل التنظيم تكون مابين التيارات الداخلية، وهي التيار العراقي والعربي والاجنبي. لم تاتي “الدولة الاسلامية” في المنطقة الغربية والشمالية الغربية من العراق لتغيير حكومة بغداد، اي ان دورها لم يكون محدد في تغيير الحكومة، بقدر ما هو اقامة الدولة الافتراضية، وهذا يعني انها باقية وفقا الى شعارها المركزي، وستكون مرفوضة من قبل جميع الاطراف. الدولة الافتراضية مرفوضة ايضا من قبل تنظيم القاعدة و غالبية التنظيمات والفصائل “الجهادية”، وقد اعلنت مشايخ الفكر السلفي “الجهادي” رفضها الى هذه الدولة وكذلك الازهر التي اكد بانها مرفوضة وتتعارض حتى مع الفقه وقواعد الشرع التي تقوم عليها الخلافة. إن صعود تنظيم “الدولة الاسلامية” على حاجات ومشاكل المنطقة الغربية في العراق، لم يستطع ان يستمر طويلا ، فقد ظهرت رفض الى هذا التنظيم من جديد من داخل عشائر الانبار، لتتحول الانبار الى بيئة طاردة للجماعات المتطرفة من جديد . إن التنظيم نشأ على ايدي عراقية وضمن حلقة مغلقة، وهذا مايرشح ان يكون الشخص الثاني عراقيا ، ان لم يكن البغدادي نفسه قد اختاره لان يكون الشخص الثاني.
*باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات
(جاسم محمد)