كتب وليد شرارة في جريدة “الأخبار”:
التحوّلات الجيوسياسية الكبرى التي يشهدها العالم، تفرض على جميع دوله، بخاصّة تلك التي اندرجت تاريخياً في الاستراتيجية العامة للولايات المتحدة، الشروع في عمليات تكيُّف وتموضع للحدّ من مخاطرها، والاستفادة من الفرص التي قد تتيحها. لا يمكن فصل الشراكة الأمنية – الاقتصادية المتنامية بين الكيان الصهيوني وأنظمة خليجية (الإمارات والبحرين والسعودية) عن البيئة الاستراتيجية الإجمالية، الدولية والإقليمية، المتغيّرة باضطراد، بفعل ارتفاع حدّة المواجهة بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين، إضافة إلى التعديل التدريجي ولكن المستمرّ لموازين القوى في المنطقة نتيجة تطوّر القدرات العسكرية لأطراف محور المقاومة.
الأولويّات المستجدّة «للراعي العطوف» الأميركي، واحتمال «تخفُّفه جزئيّاً من أعباء الشرق الأوسط» للتركيز على بقاع أخرى، تضافرت مع معادلات القوّة الإقليمية المشار إليها، لتحفّز حلفائه المحليين الخائفين لرصّ الصفوف للتصدّي للتهديدات المقبلة. غير أن اعتبارات اقتصادية، وأخرى سياسية ظرفيّة، تفسّر أيضاً قرار هؤلاء بالشراكة العلنية. على المستوى الاقتصادي، يبدو تنامي العلاقات والاستثمارات المتبادَلة والتجارة، وكأنه ترجمة لرؤى صهيونية قديمة، طرحها ناحوم غولدمان ونظّر لها شمعون بيريس، عن «زواج الرأسمال العربي بالذكاء اليهودي»، راجت في أوج ازدهار العولمة، لكنها تنتقل إلى حيّز التنفيذ، في ظلّ اتّجاه موجتها الحالية نحو الأفول. وهي ليست عديمة الصلة بما ظهر من تأزُّم في علاقات واشنطن بأنظمة خليجية، منذ وصول إدارة جو بايدن إلى موقع القرار، وتمثَّل سعياً إلى نَيْل رضاها. يعرف العالم، راهناً، فسْخ شراكات قائمة، وبناء أخرى بديلة، وما يحصل في الإقليم جزء لا يتجزّأ من هذا المسار.
السعودية على خطى الإمارات
ما زال محمد بن زايد قدوةً لمحمد بن سلمان. تدهور العلاقات الشخصية بين الرَجلين لا يلغي هذه الحقيقة. والمقاربة المعتمَدة لنسج شراكة مع الكيان الصهيوني من قِبَل الحاكم الفعلي للسعودية، هي مجرّد استنساخ لتلك التي اعتمدها حاكم الإمارات. حجر الزاوية في هذه العملية، هو تعزيز التعاون السرّي على المستويات الأمنية والاستراتيجية ودفْع قطاع الأعمال، الخاضع لنفوذ السلالات الحاكمة، إلى التعاون العلني، بغية تعظيم المصالح المشتركة وتوسيع القاعدة الاجتماعية لأنصار التحالف مع العدو بحجّة الدفاع عنها، باعتبارها مصالح «وطنيّة». وزيارة رجال أعمال إسرائيليين إلى السعودية، جاءت في هذا الإطار.
نشر الصحافي الإسرائيلي، داني زاكن، مقالة على موقع «المونيتور» حول هذا الموضوع، بعنوان «إسرائيليون يعقدون صفقات في السعودية»، تضمّنت مقابلة مع نيريت أوفير، مديرة غرفة التجارة الإسرائيلية – الخليجية، اعتبرت فيها أن «المهمّ هو أن القطاع الخاص لدى الطرفين هو الذي يدفع بالعلاقات نحو الأمام. رجال الأعمال لا يعبأون بالاعتبارات الديبلوماسية، وعندما تتقاطع الرؤى والمصالح، يمضون قدماً». ويذكر زاكن أن مصدراً سعودياً مطلعاً أسرّ له أن طلبات للحصول على تأشيرات إسرائيلية من قطاع رجال الأعمال في المملكة تتزايد باستمرار، نتيجة «لتعطّشه للتكنولوجيا». وهو كرّر ما سبق لـ»وول ستريت جورنال» أن كشفته، عن استثمار سعودي بقيمة مليارَي دولار في الصندوق الاستثماري الذي أنشأه جاريد كوشنر، والذي يعمل مع كبريات شركات التكنولوجيا في الكيان، وكذلك عن استثمار في الصندوق الذي يرأسه ستيفن منوكين، الذي يموّل شركات إسرائيلية تعمل في قطاع التكنولوجيا العسكرية في الولايات المتحدة، كشركتَي «زيمبيريون» و»سيبيريزون».
المنطق العميق الذي يحكم خيارات الجيل الجديد من النُخب الحاكمة في الخليج، أفصح عنه محمد بهارون، مدير «مركز دبي لبحوث السياسات العامة»، في مقابلة مع جوشوا كراسنا، أشار إليها الأخير في مقال على موقع «مركز موشيه دايان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية» التابع لجامعة تل أبيب. يقول بهانور إن النظام الدولي الحالي لم يَعُد قطبياً بل شبكياً، وإن الصلات والشراكات التي تنشئها الدول، لا تخضع لضرورات الاستقطاب، بل لحساب المصالح والتداخل المتزايد في ما بينها. الخلاصة التي يصل إليها كراسنا هي أن إسرائيل، من منظور الحكم الإماراتي، «قوّة توازن في مواجهة القوّة الإيرانية، وحليف ضدّ الإسلام السياسي، وجزء لا يجزّأ من هندسة أمنية إقليمية محافظة يتمّ تشييدها، ومصدر للتكنولوجيا الأمنية وطرف داعم في مجالَي الدفاع والردع. هي تستطيع أيضاً تقديم مساعدة حاسمة لصيانة العلاقات المعقّدة أحياناً مع الولايات المتحدة، وتأمين مكاسب مهمّة في حال تغيّر الخريطة السياسية مجدّداً في هذا البلد بعد الانتخابات الرئاسية في 2024». من الممكن الزعم بأن المقاربة السعودية للعلاقات مع الكيان، تتطابق مع هذه المقاربة الإماراتية.