دخل ولم يعد! الصحافي السعودي “المعارض” جمال خاشقجي دخل القنصلية السعودية في العاصمة التركية في 2 تشرين الأول أكتوبر 2018 عند الساعة 13:14 بالتوقيت المحلي ولم يخرج منها، وفق ما قالت خطيبته خديجة جنكيز التي وقفت تنتظره خارج المبنى على أساس أنه سيطلب الوثائق اللازمة لزواجهما المقبل، ويعود.
قضية رأي عام
إعترفت السلطات السعودية بمقتل خاشقجي فجر السبت 20 تشرين الأول أكتوبر غير أن المقربين منه والبعيدين كانوا قد سلّموا بالأمر منذ البداية. عائلته التي خرجت عن صمتها بعد 14 يوماً على اختفائه أصدرت بياناً في 16 تشرين الأول أكتوبر نشرته صحيفة “واشنطن بوست” التي كان خاشقجي ينشر فيها مقالاته. وطالبت العائلة في البيان بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة لكشف “ظروف موته”. إذاً، سلّمت العائلة بموت خاشقجي من دون أن تقدّم تبريراً أو تكشف خيطاً.
إلى أن أعلن النائب العام السعودي مقتل جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده باسطنبول في الثاني من الشهر الجاري، إثر شجار واشتباك بالأيدي حصل بينه وبين أشخاص قابلوه أثناء وجوده في القنصلية! وأكد النائب العام إحتجاز 18 سعوديا للتحقيق والإطاحة بـ4 مسؤولين كبار والبدء في إعادة هيكلة الاستخبارات.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن في مؤتمر صحافي من قاعدة أندروز الجوية، ليل الخميس، أن موت الخاشقجي بات شبه مؤكد وأنه ينتظر نتائج ثلاثة تحقيقات رغم أن التقارير الاستخباراتية خلصت إلى أن الرجل قد مات. وتوعد ترامب بـ”ردٍّ قاسٍ جداً” إذا ثبت تورط السعودية.
وكانت روايات الصحف الغربية ونظيراتها التركية، قد تقاطعت عند مسألة التسليم بمقتل خاشقجي رغم اختلاف بعض التفاصيل الأخرى، واستندت كلٌّ منها على معلومات إستخبارية أو مصادر حكومية إضافة إلى تسجيلات صوتية وصور.
خاشقجي قُتل بعد دقائق بحسب ما نشرت صحيفة نيويورك تايمز في عددها الصادر يوم الأربعاء.
وأضافت الصحيفة أن رأسه قُطع وبُترت أصابعه وقُطّعت أوصاله. ونقلت عن مسؤول تركي أن القتلة غادروا مبنى القنصلية خلال ساعتين فقط كما نقلت عن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية أن لديهم أدلة عديدة على تورط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بقضية خاشقجي.
تقرير الصحيفة الأميركية استند إلى ما نشرته صحيفة “يَني شفق” التركية.
إذ بدا أن المعلومات التي نشرتها الصحيفة الموالية للحكم، مسرّبة من الحكومة التركية بهدف الضغط على السعودية للاعتراف بمقل خاشقجي وتحمُّل التبعات. وورد في الصحيفة بنسختها الإنكليزية، أن تسجيلات صوتية من داخل مبنى القنصلية تؤكد مقتل خاشقجي بوجود القنصل العام محمد العتيبي الذي سُمع في أحد التسجيلات يقول “إذا كنت تريد أن تعيش، كن هادئاً!” كما سُمع يقول “افعلوا هذا في الخارج. ستسببوا لي متاعب”. وأكدت الصحيفة التركية أن الصحافي السعودي قُتل بقطع الرأس بعد أن عُذّب وبُترت أصابعه وأطرافه.
بدورها نقلت صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية في عددها الصادر يوم الأربعاء،
عن مصدرٍ دبلوماسيٍّ في باريس أنَّ هيئة الَبيعة في السعودية تنظر في وضع وليِّ العهد الأمير محمد بن سلمان على خلفية قضية خاشقجي. وتحت عنوان “إختفاء جمال خاشقجي: آل سعود في خلوة لحل الأزمة” قالت الصحيفة إن مستقبل ولي العهد على المحك وأن حُكماء العائلة المالكة يدرسون تعيين ولياً لولي العهد يُرجح أن يكون خالد بن سلمان الذي يشغل حالياً منصب السفير السعودي لدى واشنطن، تمهيداً لعزل شقيقه الأكبر ولي العهد محمد بن سلمان الذي خلق لنفسه الكثير من العداوات داخل العائلة بحسب “لو فيغارو”، وكذلك في صفوف الحرس الوطني والجيش ودول الجوار بسبب حربه على اليمن وحصاره لقطر وتقاربه مع إسرائيل. وأشارت الصحيفة إلى أن ما يهم الملك سلمان هو أن يحتفظ فرع عائلته بالسلطة في المملكة ولذلك سيعين ابته الآخر في منصب وليّ وليّ العهد.
صحيفة “ذي غارديان” البريطانية ألقت الضوء أيضاً على مسؤولية الأمير محمد بن سلمان وضلوعه بمقتل خاشقجي.
وسخرت الصحيفة من وصف بن سلمان بالإصلاحي قائلة إن السماح للمرأة بالقيادة لم يكن سوى “هدية” منه للمجتمع السعودي ولم يكن احتراماً لمكانة المرأة في المجتمع ولفتت الصحيفة إلى أن بن سلمان يعتقل منذ عام 2017 عشرات الناشطات “النسويّات” السعوديات ويسجن 30 شخصاً من رجال الدين والكتاب والمثقفين السعوديين بسبب تعبيرهم عن معارضتهم لسياسات القصر الملكي التي يقودها بن سلمان. وذكّرت الصحيفة الفرنسية باحتجاز بن سلمان عدداً من الأمراء ورجال الأعمال في فندق الريتز كارلتون وبسجن أقربائه في سجن الحائل، لافتة إلى أن خاشقجي شعر أن اعتقاله بات وشيكاً منذ نحو عام فهرب إلى واشنطن.
ولعلّ الإثبات الأقوى على تورط الأمير محمد بن سلمان بقضية خاشقجي هو ما نشرته صحيفة “دايلي صباح” التركية الموالية للحكم
عن أسماء ووجوه من وصفتهم بـ”فريق اغتيال خاشقجي” ومن بينهم العقيد السابق في الاستخبارات السعودية ماهر عبدالعزيز مترب المشتبه في أنه منسق عملية تصفية خاشقجي بحسب الفرضية الأمنية التركية. ونقلت صحيفة “دايلي صباح” عن مصادر أمنية تركية أن مترب شوهد في القنصلية السعودية في اسطنبول يوم 2 تشرين الأول اكتوبر أي يوم اختفاء خاشقجي وأنه وصل حواجز قنصلية بلاده برفقة مجموعة من الرجال عند الساعة 9:55 صباحا بالتوقيت المحلي أي قبل نحو 3 ساعات من وصول خاشقجي (الذي وصل 13:14 بتوقيت تركيا). وأشارت إلى أن مترب شوهد أيضاً خارج منزل القنصل السعودي في وقت لاحق من اليوم نفسه. ونشرت الصحيفة على موقعها الإلكتروني مقاطع مصورة تظهر مترب وقارنتها بصور التقطتها له صحيفة “هيوستن كرونيكل” الأميركية
عند مرافقته بن سلمان في زيارته إلى مدينة هيوستن في نيسان أبريل الماضي. وقالت الصحيفة إن المشتبه فيهم الـ15 كانوا قد وصلوا مطار إسطنبول على متن رحلتين، ثم توجهوا إلى قنصلية السعودية أثناء وجود جمال خاشقجي فيها وإنهم عادوا إلى الدول التي جاؤوا منها في غضون ساعات.
وفي عدد آخر
نقلت الصحيفة عن الشرطة تحديد مهام 5 أشخاص من “فريق الاغتيال” وقالت إن 4 منهم لهم علاقة مباشرة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان: ماهر عبد العزيز مترب الذي ظهر في الصور مرافقاً ولي العهد في مدريد وباريس وأميركا، املازم في سلاح الجو السعودي مشعل سعد البستاني، الطبيب صلاح الطّبيجي وهو رئيس مكتب الأدلة الجنائية في إدارة الأمن العام السعودية ويُرجح أن تكون مهمته “تقطيع” جسد الصحافي المفقود.
غير أن موقِعُ “يني شفق” التركيُّ
كشف بعد ظهر الخميس أنّ الملازم مشعل سعد البستاني توُفّي بحادث سير في ظروف غامضة بعد عودته إلى المملكة من تركيا.
يُذكر أن صحيفة “ديلي صباح” بنسختها التركية نشرت في وقت سابق 4 صور خاصة من كاميرات المراقبة التركية، للضابط مترب يوم حادثة خاشقجي ويظهر مترب في الصورة الأولى وهو يدخل منفرداً إلى مبنى القنصلية وفي الصورة الثانية، يظهر مترب خارج منزل القنصل السعودي الذي يبعد نحو 300 متر عن مبنى القنصلية أما الصورة الثالثة، فيظهر فيها مع أعضاء فريقه وهم يغادرون فندق “موفمبيك” فيما تظهر الصورة الرابعة، مترب والمشتبه فيهم الآخرين في مطار أتاتورك الدولي للمغادرة.
تسلسل الأحداث
في 3 تشرين الأول أكتوبر 2018، أي بعد يوم واحد على دخول جمال خاشقجي قنصلية بلاده في اسطنبول، أعلن رئيس تحرير صفحة مقالات الرأي في “واشنطن بوست” أنه فقد الاتصال بخاشقجي الذي يكتب مقالاً دورياً للصحيفة الأميركية منذ نحو عام، أي منذ انتقاله للعيش في ولاية فرجينيا في الولايات المتحدة. وكانت حجته يومذاك أنه يتعرض لضغوط من السلطات السعودية التي طلبت منه وقف نشر التغريدات المناهضة لسياسة ولي العهد محمد بن سلمان حيال اليمن وقطر وكندا وانتهاكه الحريات العامة.
لم يتأخّر النفي السعودي لخبر احتجاز خاشقجي، وأعلنت السلطات في 4 تشرين الأول أكتوبر أن الرجل “اختفى بعد أن غادر مبنى القنصلية” وصرّح ولي العهد السّعودي محمد بن سلمان لوكالة “بلومبيرغ” أن خاشقجي ليس داخل القنصلية وأن المملكة تدعو السلطات التركية لدخول القنصلية وتفتيشها رغم أنها منطقة ذات سيادة سعودية.
وبالفعل، طلبت السلطات التركية في 7 تشرين الأول أكتوبر تصريحاً من السفير السعودي لتفتيش القنصلية السعودية بالتزامن مع نشر “واشنطن بوست” معلومات تفيد أنّ “جثة خاشقجي قُطّعت على الأرجح ووُضعت في صناديق قبل أن تُنقل عبر الطائرة خارج البلاد” نقلاً عن مسؤولين أميركيين لم تذكر أسماءهم. ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مطالبة الرياض بأن “تثبت” مزاعمها بأن خاشقجي غادر القنصلية في 8 نشرين الأول أكتوبر.
في 9 تشرين الأول أكتوبر وافقت السعودية على السماح للسلطات التركية بتفتيش القنصلية، بحسب ما أعلنت وزارة الخارجية التركية، وذكرت شبكة “تي ار تي وورلد” التابعة للحكومة التركية أنّ السلطات التركية تشتبه بمجموعة من السعوديين قدموا إلى اسطنبول يومَ اختفاء الصحافي.
لم يجر تفتيش القنصلية بسرعة رغم موافقة السعودية. كثرت التكهنات والاحتمالات والفرضيات المتعلقة بمصير الصحافي الذي اتُهم بالتقرب من قطر وتركيا والتواصل مع جماعة “الإخوان المسلمين” والتنسيق مع معارضي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ورغم البلبلة حافظت الدبلوماسية التركية على هدوئها وجددت مطالبتها بالكشف عن صور كاميرات المراقبة في القنصلية السعودية لدى اسطنبول لإثبات أن الصحافي خرج فعلاً فأكد السعوديون أن كاميراتهم لم تكن تعمل في ذلك اليوم وأن الحارس كان في إجازة.
ردّ الرئيس التركي على مزاعم السعودية بالقول إن “السعودية تملك أنظمة المراقبة الأكثر تطوراً وإذا خرجت بعوضة من القنصلية سترصدها أنظمة كاميراتهم” وذلك في تصريح للصحافيين على متن الطائرة التي تُقلّه من بودابيست إلى بلاده.
أخيرًا، في 16 تشرين الأول أكتوبر، دخل فريق التحقيق والتفتيش التركي المشارك في مجموعة العمل المشتركة للتحقيق في قضية اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي، دخل مبنى القنصلية السعودية وأجرى بحثاً غير مسبوق استمرّ تسع ساعات.
في اليوم التالي أي في 17 تشرين الأول أكتوبر دخل فريق التحقيق مقر إقامة القنصل السعودي في إسطنبول محمد العتيبي الذي غادر تركيا في اليوم نفسه وتوجه إلى السعودية. علماً أن مكان إقامة القنصل يبعد عن القنصلية نحو كيلومترين فقط.
وكشفت وكالة “فرانس برس” أنّ أعضاء الفريق التُركي الذين أجروا التحقيق “أخذوا عيّنات وبخاصّة من تراب حديقة القنصليّة” فيما أعلنت وسائل إعلام محلية أن الشرطة التركية بدأت بالتفتيش في ثلاث مناطق هي غابات بلغراد ومنطقة بيكنت إضافة إلى مدينة يلوى المجاورة.
كانت قد توجهت إليها سيارات تابعة للقنصلية السعودية وفُقد أثرها ليلة اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي. علماً أن مصادر في الشرطة لفتت إلى أن حركة السيارات الـ16 التي خرجت من القنصلية كان هدفها التضليل.
دراما سوداء
تستعد السعودية للإقرار بأن خاشقجي قُتل أثناء التحقيق الذي “سار في اتجاه خطأ” وأن الهدف الأساسي من العملية كان “الاختطاف” وفق مصادر أميركية. ونقلت “سي أن أن” عن مصدر لم تكشف عن اسمه أن التقرير السعودي سيقدم تفسيراً يعفي وليَّ العهد السعودي من مسؤولية قتل خاشقجي وسيخلص إلى أن “العملية تمّت بدون تصريح وبلا شفافيّة” وأن “المتورطين فيها سيُحمَّلون المسؤولية”.
إخراج ضعيف لدراما سوداء لم يُحسن السعوديون حبكها من دون ثغرات! تورط بن سلمان بات أمراً شبه محسوم لما له من سوابق في مجال الخطف والاحتجاز والتصفية. ولعل هذا ما دفع دولاً ومؤسسات عديدة إضافة إلى شخصيات مرموقة إلى إعلان مقاطعتها مؤتمر “مستقبل الاستثمار” الذي عُرف بـ “دافوس الصحراء” المقرر عقده في الرياض بين 23 و25 تشرين الأول أكتوبر الحالي. أبرز المقاطعين، رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشن، رئيس البنك الدولي جيم كونغ يم، وزير المالية الألماني ولاف شولتس، رئيس مجلس إدارة مجموعة فورد موتورز الأميركية بيل فورد، وعدد من الرؤساء التنفيذيين لبنوك عالمية من بينهم الرئيس التنفيذي لـ”جي بي مورغن تشايز” والرؤساء التنفيذيون لكل من بنك “أتش أس بي سي” و”ستاندرد تشارترد” و”كريدي سويس”. بدوره قرر الرئيس التنفيذي لمجموعة بلاكستون وهي من أبرز شركات التطوير العقاري في العالم، مقاطعة المؤتمر الذي تعول عليه السعودية لجذب استثمارات إلى مدينة نيوم NEOM وكذلك فعلت شركة “غوغل” وشركة “بلاك روك” التي تعدّ أكبر شركة لإدارة صناديق الاحتياط في العالم.
وحده الرئيس الأميركي دونالد ترامب دافع عن السعودية حتى ليل الخميس 18 تشرين الأول أكتوبر، وقال إن بلاده تحتاج إلى التنسيق مع السعودية من أجل محاربة الإرهاب كما قال إن الصفقات المبرمة مع السعودية مربحة جداً ولا يمكن التخلي عنها ولا سيما بعد أن “قدّمت السعودية طلباً لشراء أسلحة قيمتها 110 مليار دولار أي ما يساهم في خلق نصف مليون وظيفة”. هذا علماً أن ترامب كان قد غرّد على حسابه في “تويتر” يوم الثلاثاء “تحدثت للتو مع ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان) ونفى أن يكون لديه أي علم بما حدث في قنصلية بلاده باسطنبول”. وأضاف “قال لي إنه بدأ بالفعل تحقيقا كاملا وشاملا في المسألة وسيوسعه سريعا سوف تظهر الإجابات قريبا جدا”.
آخر مقال كتبه خاشقجي
في 4 تشرين الأول أكتوبر تركت صحيفة “واشنطن بوست” عموداً فارغاً حيث يفترض نشر مقال جمال خاشقجي وعنونت “صوت مفقود”. غير أنها نشرت آخر مقال له بتاريخ 18 تشرين الأول أكتوبر وقالت كارين عطية محررة قسم الآراء في “واشنطن بوست” إن هذا المقال وصلها من مترجم ومساعد خاشقجي في اليوم التالي لاختفائه لكن الصحيفة فضّلت تعليق نشره على أمل أن يظهر خاشقجي للتنسيق معه حول التعديلات اللازمة وقالت عطية “علينا الآن تقبّل أن ذلك لن يحدث”.
تحت عنوان “أكثر ما يحتاجه العالم العربي هو حرية التعبير”
المقال بالعربي:
إستهل خاشقجي مقاله بالإشارة إلى ما ورد في تقرير لمؤسسة “فريدم هاوس” عن الحريات في العالم عام 2018، الذي أظهر أن دولة عربية واحدة مصنفة “حرة” وهي تونس يليها الأردن والمغرب والكويت في المرتبة الثانية بتصنيف “حرة جزئيا” أما باقي الدول العربية فلا تتمتع بالحرية. وقال خاشقجي أنه “نتيجة لذلك، يعيش العرب داخل بلدانهم إما جاهلين uninformed وإما مضلَّلين misinformed ولا يستطيعون مناقشة مشاكلهم التي يمرون بها يوميا، ولا سيما في العلن”. وتابع خاشقجي “العالم العربي كان مفعماً بالأمل في ربيع عام 2011 وكان الصحافيون والأكاديميون والمواطنين يتفاءلون بالانتقال إلى مجتمع عربي مشرق وحر وتوقعوا التحرر من سيطرة حكوماتهم والتدخلات المستمرة والرقابة على المعلومات. هذه التوقعات سرعان ما تحطمت، وهذه المجتمعات بعضها عاد إلى وضعه السابق أو واجه ظروفا أكثر قسوة من ذي قبل”.
وذكّر خاشقجي بالحكم الذي صدر بحق الكاتب السعودي صالح الشحّي بالقول “مع الأسف، إنه الآن يقضي عقوبة سجن غير مبررة لمدة 5 سنوات بسبب تعليقات مزعومة تعارضت مع الخط العام للحكومة السعودية”.
وأضاف أن “هناك عدد قليل من الواحات التي لا تزال تجسد روح الربيع العربي، وتواصل حكومة قطر دعم التغطية الإخبارية الدولية مقارنة مع جهود جيرانها للسيطرة على المعلومات ودعم النظام العربي القديم (…) حتى في تونس والكويت يركز الإعلام على القضايا المحلية وليس القضايا التي تواجه العالم العربي الكبير” (…)حتى لبنان، جوهرة التاج العربي، عندما يتعلق الأمر بالصحافة الحرة، سقط ضحية استقطاب ونفوذ حزب الله الموالي لإيران”.
ودعا خاشقجي في ختام مقاله إلى توفير منصة للأصوات العربية قائلاً “نحن نعاني من الفقر وسوء الإدارة وسوء التعليم. إنّ إنشاء منتدى دولي مستقل ومعزول عن تأثير الحكومات القومية التي تنشر الكراهية من خلال الدعاية سيمكِّن الناس العاديين في العالم العربي من معالجة المشاكل البنيوية التي تواجهها مجتمعاتهم”.