الخوذ البيضاء… الأيادي السوداء _ إسرائيل تساعد متطوعي “الخوذ البيضاء” على الفرار إلى الأردن


عبر 422 شخصا مرتبطا بجماعة “الخوذ البيضاء” الحدود السورية إلى الأردن بمساعدة جنود إسرائيليين، على إثر تقدّم الجيش السوري وحلفائه في المناطق التي كانت تسيطر عليها الجماعات المسلحة المعارِضة للحكومة السورية. وفي تسجيل مصور مقتضب، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه تصرف بناء على طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب! فلماذا تحرص كل من أميركا وإسرائيل على مساعدة هؤلاء؟ ولماذا سارعت 3 دول غربية إلى التطوع لاستقبالهم ومنحهم حق اللجوء السياسي؟

قطع الشك باليقين
الخبر الأولي بدا عادياً. ورد على وكالات الأنباء في ساعات الصباح الأولى يوم الأحد بهذه الكلمات “أذنت الحكومة الأردنية للأمم المتحدة تنظيم مرور نحو 800 مواطن سوري عبر الأردن لتوطينهم في دول غربية”. لم تُحدد هوية السوريين الـ800 الذين تطوعت كل من بريطانيا وألمانيا وكندا، تعهداً خطياً ملزماً قانونياً، بإعادة توطينهم خلال فترة زمنية محددة بسبب وجود خطر على حياتهم، غير أن تصريح وزير الخارجية الأردنية محمد الكايد قطع الشك باليقين، حين قال إنهم كانوا يعملون في “الدفاع المدني” في المناطق التي كانت تسيطر عليها “المعارضة السورية” بعد الهجوم الذي شنّه الجيش السوري في تلك المناطق.
الخبر خضع لإضافات و”تصويبات” أكثر من مرة إلى أن ثبت على الصيغة التالية “422 شخصاً من أعضاء جماعة الخوذ البيضاء فرّوا على إثر تقدم القوات الحكومية وجرى نقلهم على وجه السرعة عبر الحدود إلى الأردن بمساعدة جنود إسرائيليين وقوى غربية”.
إذاً، إنهم عناصر “الخوذ البيضاء” الذين انقسمت الآراء حول طبيعة عملهم وأهدافهم. فالرئيس السوري بشار الأسد اتهمهم في إحدى مقابلاته بأنهم جزء من تنظيم القاعدة كما اتهمتهم الخارجية الروسية بتلقي الدعم من صندوق التنمية القطري! فيما رأت دول غربية مثل كندا والولايات المتحدة أنهم يقومون بعمل إنقاذي إنساني ووصفتهم بالأبطال، وقدمت لهم دعماً إعلامياً ودعائياً بلغ ذروته بفوز فيلم الخوذ البيضاء (The White Helmets) بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي عام 2016 وهو من إخراج أورلاندو فون أينشيديل Orlando von Einsiedel.
في حديث لموقع “روسيا الآن” رجّح الكاتب والصحافي السوري زياد حيدر أن يكون لعناصر الخوذ البيضاء الذين تم إجلاؤهم من سوريا، دورٌ مستقبلي في التسوية السياسية المُحتملة وقال عن إخراجهم من سوريا هو بمثابة “إنقاذ” لهم ويأتي لمصلحة الدول المعادية لسوريا والتي ما زالت استخباراتها تهيء لهم دوراً ما في المستقبل. وأضاف حيدر إن “نشوء منظمة الخوذ البيضاء كان نموذج البروباغاندا الوحيد الذي لقي نجاحا لدى جمهور التحالف الدولي والاقليمي المعادي لسوريا في هذه الحرب، واستطاع خدمة أهداف هذا التحالف اكثر من اعتى القوى التي تشكلت بغرف العناية الاستخباراتية على الحدود مع تركيا او الاْردن او اسرائيل، وبالتالي إنقاذ ما تبقى من هذه المنظمة ضروري بالنسبة لهم”. وكانت منظمة “الخوذ البيضاء” المسؤولة الأولى والأخيرة عن اتهام الحكومة السورية باستخدام السلاح الكيميائي في خان شيخون ودوما، وباستهداف المدنيين العزل بالغارات، ونشرت تسجيلات بالصوت والصورة ثبت لاحقاً أنها ملفقة ومفتعلة وأشبه بالـ”مسرحية”. ولعل هذا ما دفع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى الإعلان في آذار مارس الماضي أنها منظمة “غير موثوق بها” وأنها قدمت معلومات كاذبة في مختلف مراحل الحرب على سوريا.

الترحيب الغربي
ثلاث دول غربية سارعت إلى تقديم حق اللجوء السياسي لعناصر الخوذ البيضاء بالتنسيق مع الأمم المتحدة. وأوردت شبكة “سي.بي.سي” خبراً يوم الأحد مفاده أن كندا قررت استقبال 250 شخصاً من عناصر “الخوذ البيضاء” السوريين وعائلاتهم. ونقلت الشبكة عن وزيرة الخارجية كريستيا فريلاند قولها “كندا تبذل جهداً بالتعاون الوثيق مع المملكة المتحدة والمانيا لتأمين سلامة الخوذ البيضاء وعائلاتهم”. واضافت ان “كندا تدعم الخوذ البيضاء بقوة وأنها شريك لهم وفخورة بتمويلهم”.
فيما ذكرت مجلة “بيلد” الألمانية الأسبوعية أن الحكومة الألمانية ستمنح 50 عنصرا في مجموعة الخوذ البيضاء حق اللجوء. ونقلت عن وزير الخارجية هايكو ماس قوله إن “الإنسانية تملي توفير الحماية والملاذ لكثير من هؤلاء المسعفين الشجعان”. أما وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت فغرّد على تويتر “نبأ رائع أننا نجحنا مع أصدقائنا في إجلاء الخوذ البيضاء وعائلاتهم. الشكر لإسرائيل والأردن على استجابتهما السريعة لطلبنا“.
وأوضح الكاتب والصحافي زياد حيدر ان الدور الإسرائيلي ظهر جلياً في العامين الأخيرين من خلال العثور على أسلحة إسرائيلية في أكثر من موقع للمسلحين ومن خلال تنفيذ غارات إسرائيلية على مواقع تابعة للسلطات السورية. ولعل هذا ما يؤكد تدخل إسرائيل ودعمها للخوذ البيضاء كمجموعة “معارضة” تلعب أساسياً في تهشيم صورة النظام السوري وتعزيز العداء له.
يُذكر أن وزارة الدفاع الروسية أجرت تحقيقات واستطلاعات رأي في مختلف المناطق كان آخرها استطلاع شهادات المئات من سكان الغوطة الشرقية في عام 2017، بيّنت أن “الخوذ البيضاء” تنشط فقط في مناطق سيطرة “جبهة النصرة” وأن المدنيين في الغوطة الشرقية لم يحصلوا على أي خدمة أو مساعدة.
وكان موقع “روسيا الآن” قد تحدث إلى الكاتب السوري والباحث السياسي شادي أحمد الذي أكد أن “الوثائق التي كشفتها مصادر غربية تؤكد أن جهاز الاستخبارات البريطانية “MI6″ هو من قام بتأسيس هذه المجموعات”. وذكّر أحمد بعدد من الصور وتسجيلات الفيديو التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تظهر أفراداً من “الخوذ البيضاء” يحملون السلاح إلى جانب عناصر مسلحة من التنظيمات الإرهابية. كما ذكّر أحمد بأن تنظيم الخوذ البيضاء نشأ عام 2013 في مناطق حلب وريفها قبل أن ينتشر في مناطق أخرى مثل إدلب ودرعا والغوطة الشرقية ودوما عندما كانت واقعة تحت سيطرة المجموعات الإرهابية المسلحة.

هل يتخلّى الغرب عن المنظمة؟
أوقفت وزارة الخارجية الأميركية تمويل منظمة “الخوذ البيضاء” منذ مطلع أيار مايو الماضي بعدما كانت المنظمة تتلقى ثلث ميزانيتها من واشنطن وقال مسؤول في المنظمة رفض الكشف عن اسمه إن الخوذ البيضاء “لم تستلم أي إشعار رسمي حول وقف تمويلها لكنها لم تتلقَّ أي أموال جديدة في حساباتها منذ بداية شهر أيار مايو وإن خطة الطوارئ تسمح للخوذ البيضاء بمواصلة عملهم لشهر أو شهرين فقط (بدءاً من تاريخه).
ونشرت وكالة “أ ف ب” تقريراً عن نشأة هذه المنظمة يفيد أنها تتلقى تمويلا من الحكومات في كل من بريطانيا وهولندا والدنمارك والمانيا واليابان والولايات المتحدة وأن بعض العناصر تلقى تدريبات في الخارج، من دون تحديد المكان الخارجي. وأفاد التقرير أن عدد المتطوعين يبلغ نحو 3700 شخص معظمهم من الرجال لكن بينهم عدد قليل من النساء.
وتتخذ منظمة “الخوذ البيضاء” شعار “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا” وهو مقتبس من الآية القرآنية “مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ، فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”. هذا الشعار يؤكد ارتباط الخوذ البيضاء بالإسلام، ويرجّح انبثاقها عن إحدى الجماعات الإسلامية المتطرفة الناشطة في الحرب السورية، أو ارتباطها بها، وأبرزها جبهة النصرة وتنظيم داعش الذَين تقهقرا وانحسر وجودهما في مناطق ضيقة ومحددة من سوريا ولعل هذا ما دفع أصحاب الخوذ البيضاء إلى مغادرة الأراضي السورية.
اللافت أن عناصر “الخوذ البيضاء” الذين نُقلوا بمساعدة الجيش الإسرائيلي إلى الأردن سيبقون في “منطقة محددة مغلقة” خلال فترة مرورهم عبر الأردن على أن تستقبلهم الدول الثلاث، بريطانيا وألمانيا وكندا، خلال مدة أقصاها 3 أشهر. فهل ستصدق الدول المعنية أم تتراجع كما تراجعت الولايات المتحدة وأوقفت تمويلها؟

Author: Firas M

Share This Post On

Submit a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Top

Pin It on Pinterest

Share This

مشاركة

شارك هذا المقال مع صديق!