استخدام الطائرات بدون طيار من قبل الجيش الكاميروني لرصد وتعقّب عناصر “بوكو حرام” وإحباط مخططاتها التي تستهدف العسكريين والمدنيين في منطقة أقصى الشمال، تعتبر نقلة نوعية في أساليب الحرب على التنظيم النيجيري، ويشي بأنّ المعركة انتقلت من الأرض إلى الجوّ.
نقلة فرضها تواتر التفجيرات والهجمات الإرهابية التي تبناها التنظيم بزعامة أبو بكر شيكاو، أو ما نُسبت إليه، بشكل شبه يومي في فترة ما، تدعمها في ذلك حدود مشتركة بين الكاميرون ونيجيريا معقل المجموعة المسلحة، والممتدّة على طول 400 كلم، ما يمنح عناصر الأخيرة فرص التسلّل إلى الأراضي الكاميرونية واستهدافها بعمليات دامية.
فخلال الفترة الفاصلة بين أغسطس/ آب 2014 و14 مارس/ آذار الجاري، شنّت “بوكو حرام” 336 هجوماً في الكاميرون، ضمن حوادث قتل ونهب واختطاف وتفجيرات انتحارية، تصدّى لها الجيش الكاميروني اعتماداً على أساليب مختلفة، بينها رصد الانتحاريين، وتفكيك الألغام، واستخدام الطائرات من دون طيار.
وفيما أبدى بعض المسؤولين العسكريين تحفّظهم بشأن تقديم معطيات تهمّ وتيرة استخدام الطائرات بدون طيار ومدى فاعليتها، إلاّ أنّ مراسلة الأناضول رصدت بعض النتائج المسجلة على هذا المستوى في بلدة “أشيغاشيرا”، الواقعة على بعد نحو كيلومتر واحد من الحدود مع نيجيريا.
فبحسب مصادر عسكرية وشهادات متفرّقة لسكّان من منطقة أقصى الشمال المستهدفة من قبل التنظيم النيجري، فإنّ تلك التوليفة الثرية لأساليب القتال التي اعتمدها الجيش الكاميروني كان لابدّ وأن تتبلور نتائجها سريعاً على الأرض، مؤكّدين للأناضول انخفاض وتيرة هجمات المجموعة المسلّحة في الفترة الأخيرة.
شهادات وتصريحات جاءت لتؤكّد صحة توقعات أستاذ العلوم السياسية، الكاميروني، أبويا ماناسيه إيندونغ، والذي أشار في مقابلة له مع الأناضول في يناير/ كانون ثان الماضي، أنّ استخدام الطائرات بدون طيار من شأنه أن يمكّن من “دراسة نظام تنقّل عناصر بوكو حرام، ورصد الاتصالات فيما بينها، من أجل استباق هجماتها المحتملة على الكاميرون، وذلك على المدى المتوسط والبعيد”.
اللفتنانت كولونيل ليوبولد نلاتي، أحد المسؤولين العسكريين بكتيبة التدخّل السريع، والتي تضمّ نخبة الجيش الكاميروني، قال للأناضول إنّ “هجمات بوكو حرام انخفضت اليوم بشكل ملحوظ، خلافاً لتلك الفترات التي شهدنا فيها سلسلة من الهجمات اليومية المتتالية، لكن حالياً، يحدث وأن يمرّ أسبوع بأكمله في كنف الهدوء، أي دون تسجيل هجمات للمجموعة المسلحة، وهذه من المؤشرات الإيجابية، ونعتقد أن الوضع سيستمر على ما هو عليه في الوقت الراهن”.
من جانبه، قال الجنرال جاكوب كودجي، قائد المنطقة العسكرية الرابعة في أقصى الشمال الكاميروني، في تصريح للأناضول: “الهدوء يسود المنطقة حالياً، وإن كان نسبياً، والمجموعة المسلحة تعاني من الإنهاك، وقد تشتّت قواها، وحتى بعض عناصرها التي تعاود الظهور من فترة لأخرى، إنما تسعى إلى البحث عن الأدوات اللوجستية وعن المواد الغذائية بشكل خاص، والغارات التي تشنّها بأعداد صغيرة من المقاتلين أكبر دليل على ذلك”.
وعلاوة على تغيير أدوات القتال، يعمل الجيش الكاميروني، منذ بضعة أشهر، بالتنسيق مع نظيره النيجيري، حيث أثمر التعاون بين الطرفين في حملة عسكرية مشتركة شملت، قبل أيام، منطقة “دجبريلي” في نيجيريا، عن تصفية ما لا يقل عن 20 من عناصر المجموعة المسلحة، وتحرير 15 من الرهائن التي كانت تحتجزها.
تعاون أكّده الجنرال كودجي بالقول إنّ جيش بلاده يقاتل المجموعة المسلحة بالتنسيق مع نظيره النيجيري، حتى أنه وقع التطهير والسيطرة على قرية كومشي النيجيرية، والتي كانت تعدّ معقلاً لعناصر التنظيم.
وتابع “نحن نقوم بتطويق الحدود على طولها، بالتعاون مع الجيش النيجيري والقوة الإفريقية المشتركة (التحالف الإفريقي، ويضم قوات عسكرية من بلدان حوض بحيرة تشاد)”، مشيراً إلى أنّ الهدف من ذلك هو “تطويق وتطهير الجيوب والمعاقل التي يمكن أن تكون غابت عنا في حملاتنا السابقة”.
منظمة “العفو الدولية” اعترفت من جهتها، في أحدث تقاريرها أنّ “مجموعة بوكو حرام المسلحة بعثرت حياة الآلاف من الأشخاص شمالي الكاميرون، وهذا ما يدينها بارتكاب جرائم بمقتضى القانون الدولي، من ذلك القتل غير المشروع واستهداف الممتلكات والأصول، إلى جانب النهب والاختطاف”.
المنظمة وجّهت أيضاً اتهامات إلى الدولة الكاميرونية وجيشها، لافتة إلى أنه “في سياق مساعيها إلى منع بوكو حرام من التوسّع، فإنّ قوات الأمن شنت حملة اعتقالات قسرية، وإعدامات خارج نطاق القضاء، شملت أعضاء مفترضين بالمجموعة المسلحة”.
اتهامات ردّ عليها الجنرال كودجي قائلاً إنّ جيش بلاده لديه قواعد وسلوك يلتزم بهما ويحترمهما، و”من الواضح أنه عندما نتعرض للهجوم من قبل عناصر بوكو حرام، فإننا نردّ بالشكل المناسب، كما أنه من الواضح أيضا أننا قمنا بسجن عدد منهم، ولهذا السبب يوجد المئات منهم في سجون ماروا وموكولو وياغوا”.
وأكد على أن جنودهم “مدرّبون وعلى دراية بالقانون الإنساني الدولي، وقانون النزاعات المسلحة وحقوق الإنسان، ومن هذا المنطلق، فهم يعاملون الجميع بشكل إنساني”.