تشهد العلاقات الإسرائيلية-الأميركية تدنياً لا نظير له. إن رفض رئيس الوزراء بنيامين نيتنياهو لقاء الرئيس باراك أوباما، كما اقترح البيت الأبيض، قبل مؤتمر لجنة الشئون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) الذي انعقد 20 مارس|اذار هي ضربة أخرى غير مسبوقة للعلاقة.
إن أوباما لا يتصنع الكلمات عندما يصف آراءه عن رئيس الوزراء الإسرائيلي. في حواره مع جيفري غـولدبيرج المنشور في عدد أبريل| نيسان من مجلة ذي أتلانتك، تذّكر واقعة عندما ألقى عليه نيتنياهو محاضرة عن الشرق الأوسط. لقد انتقده أوباما حينها، وقال لنيتنياهو إنه في حين إنه ابن أمريكي من أصل أفريقي لأم عزباء، إلا إنه يعيش الآن في البيت الأبيض بصفته الرئيس المنتخب للولايات المتحدة، وإنه يفهم في الواقع ما يقوله نيتنياهو.
لابد أن هذه الواقعة غير مسبوقة بين أي رئيس أميركي وشخصية أجنبية رفيعة المستوى. لا توجد أية قضية يتفق عليها أوباما ونيتنياهو في وجهة النظر. إن آرائهم حول توسيع المستوطنات, وحل الدولتين القائم على حدود 1967, وإتفاقية إيران ونطاق إتفاقية الأمن الأميركية-الإسرائيلية بعيدة الأمد التي يتم التفاوض عليها حالياً تختلف بشكل جذري. إن إختلافاتهم مستمدة من فجوة أيدولوجية رئيسية – نيتنياهو لا يؤمن كثيراً بالدبلوماسية والمفاوضات لحل الصراعات ولا يستبعد ابداً التدخل العسكري؛ أوباما, بصفته قائد العالم الحر, استحدث حل فعال للصراعات من خلال الدبلوماسية الشاملة مع إستخدام القوة كملاذ أخير, مثلما حدث لإنهاء الحروب في العراق وأفغانستان, وكذلك أيضاً في إتفاقية إيران وأزمة الأسلحة الكيميائية السورية.
كانت الإختلافات في الآراء واضحة في زيارة جو بايدن نائب الرئيس إلى إسرائيل 8-10 مارس| اذار الماضي. أخبر مسئول دبلوماسي أميركي في تل أبيب المونيتور, بشرط عدم ذكر إسمه, أن رئيس الوزراء رفض إقتراحات نائب الرئيس بإستئناف محادثات السلام الإسرائيلية-الفلسطينية حول حل الدولتين بأي طريقة تلبي مطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس, حتى لو جزئياً, بأن تكون المفاوضات مبنية على حدود 1967 لوقف توسيع المستوطنات. بدلاً من هذا، انتقد نيتنياهو عباس لتحريضه على العنف. إدارة أوباما, على الجانب الآخر, ترى عباس معتدلاً نسبياً وتعتقد أنه يجب تعزيزه بالمبادرات الدبلوماسية. وفقاً لهذا المصدر الأميركي, خرج الوفد الأميركي بإحساس مفاده أن كل ما يريده نيتنياهو هو أن ينفد الوقت من أوباما وتنتهي فترة رئاسته.
أرون ديفيد ميلر, نائب رئيس مركز وودرو ويلسون وسابقاً جزء من فريق الرئيس بيل كلينتون للسلام, أخبر المونيتور, “أوباما ونيتنياهو يتمتعان بأكثر علاقة مختلة وظيفياً بين أي رئيس أميركي ورئيس وزراء إسرائيلي. هذه العلاقة المختلة وظيفياً تنشأ من إختلاف آرائهما, مثل الصراع بين المزاج والأسلوب, وازداد سوءاً بالخلاف الشديد حول إتفاقية إيران.”
لقد خرّب نيتنياهو, في الجدل الخاص بإيران, سمعته – ليس فقط مع أوباما, لكن مع المؤسسة الديموقراطية بالكامل. من المفترض أن معارضة رئيس أميركي في شئونه السياسية الداخلية من المحظورات على أي رئيس وزراء إسرائيلي. مع تنفيذ إيران لجانبها من الصفقة النووية (على عكس تحذيرات نيتنياهو), وتعزيز المعسكر المعتدل في الإنتخابات البرلمانية الإيرانية الأخيرة, تشعر إدارة أوباما إنها محمية.
مع هذا, القضية الرئيسية للجدال بين إدارة أوباما والحكومة الإسرائيلية هي القضية الفلسطينية. أوباما يسحب نفسه من الشرق الأوسط. مثلما أوضح في حواره مع ذي أتلانتك, إنه مُحبط من العالم العربي بسبب إخفاقه في عملية إرساء الديموقراطية أثناء الربيع العربي. إنه لن يسمح للآخرين, وخاصة الدول المعادية لأمريكا, أن تفرض على الولايات المتحدة دور الشرطي الإقليمي. فيما يتعلق بالقضايا الفلسطينية, إنه يؤيد بقوة إقامة دولة فلسطينية مستقلة تحت شروط الأمن والسلام مع إسرائيل. إن معظم سياسته الخارجية مبنية على القيمة وعليه فهو يفضل إنهاء الإحتلال في مقابل أمن إسرائيل, الذي يحظى بأهمية قصوى لديه. يعتقد الرئيس الأميركي أيضاً أن حل الدولتين ينقذ الهوية اليهودية-الديموقراطية لإسرائيل.
إن آراء أوباما الاثنين – التحرر من التدخل العسكري في المنطقة ودعم حل الدولتين – تعتبرهما حكومة نيتنياهو ساذجين وخاطئين. يفضل رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يرى رئيس أمريكي من جناح اليمين يحفظ النظام في الشرق الأوسط, وتكون إسرائيل حليفاً إستراتيجياً له.
في العام الأخير من رئاسة أوباما, ستُترك إسرائيل والعرب لكي يتصرفوا كما يشائون. إن أمريكا تحت حكم أوباما لن تقوم بالمهمة نيابة عنهم. لقد انتهى الزمن الذي تلعن فيه الولايات المتحدة وتتوقع مساعدتها الغير مشروطة. هذا ليس إنعكاساً فقط لسياسة أوباما الخارجية, لكن لإنعزالية أكبر في الرأي العام الأميركي.