“الفودكا”… روسية بامتياز!


فادي نصار

صاحبة أقوى حضور على الموائد الروسية، لها طقوسها ونكهاتها وقواعد اختيارها، مع لونها الشفاف ورائحتها الزكية وطعمها المميز، سميت سابقاً “نبيذ الخبز”، المشروب الذي لم يكن يمر احتفال للقيصر بطرس الاكبر دون أن يتربع بزجاجاته الجميلة على مائدة الكرملين. إستخدمها  إيفان الرهيب الذي اشتهر بتعدد زوجاته، لتنشيط الجسم وزيادة حيويته، حتى أن بوشكين ذكرها في الكثير من أشعاره، وكان اوستروفسكي وتشيخوف يعبان منها بمتعة رهيبة، إنها الفودكا، فما هو اصلها وكيف تصنع؟

يدلعها العامة باسم غوركايا (أي المر)، أظهرت الوثائق التاريخية أنها روسيّة المنشأ، حيث أثبت الذواق والمؤرخ الروسي ويليام بوخليوبكين، صاحب  كتاب “تاريخ الفودكا”، عن طريق وثائق كانت بحوزته أولوية روسيا في هذه المسألة، وكان مدعوماً بمحكمة دولية (يستحق بوخليوبكين الإشارة إليه بشكل منفصل: فهو أكاديمي، يُعرف بالدرجة الأولى ليس بسبب عمله في تاريخ الدول الاسكندنافية، وإنما لكونه يتمتع بسمعة محترمة في مجتمع الأكاديميين).

يعتبرها الروس الشريك الاول والاهم في احداث حياتهم اليومية ، وجودها اساسي في الاحزان والافراح في اجتماعات العمل، الرحلات، الحفلات والاحتفالات الرسمية.

 

الفودكا ابنة مندلييف

لم تظهر كلمة “فودكا” المشتقة أصلا من كلمة “فودا” أي الماء (باللغات السلافية) في النصوص الروسية حتى عام 1850، حيث كان يطلق عليها قبل ذلك التاريخ أسماء عديدة نذكر منها: النبيذ (خمر الخبز) والنبيذ المقطر، والنبيذ الساخن، والنبيذ المحترق والنبيذ المر… الخ، والفودكا هي المشروب الروحي الروسي الاكثر شعبية، والذي ظهر في القرن الخامس عشر، بعدما تعلم السلافيون تقطير ما يسمى بنبيذ الخبز، وتقول الأسطورة أن راهباً يدعى إيزيدور، قام عام 1430 بصنع أول وصفة فودكا روسية، إلا أن الفضل في اكتشاف التقنية العلمية لإنتاج الفودكا يعود الى العالم الروسي ديميتري ماندلييف الذي اكتشف في أواخر القرن التاسع عشر التحديد العلمي لأفضل نسبة للكحول المستخدم في الفودكا لتكون 40 بالمئة، وكان مصدر النسبة أطروحته لنيل درجة الدكتوراه “حول خلط الماء بالكحول”. وفي عام 1894، تم تسجيل براءة اختراع لهذا المشروب الروحي القوي تحت اسم “موسكو الخاصة”٬ ونتيجة صعوبة نمو العنب في الاراضي الروسية فقد بدأ الناس باستخراج الكحول من القمح والحبوب.

 

عظماء روسيا والفودكا

اهتمت طبقة النبلاء الروس والقادة العسكريين ابتدء من يكاترينا البراغماتية التي وضعت قوانين تسمح بانتاج الفودكا في اماكن محددة. كما حصل صانعو الفودكا الروسية في عهد الكسندر الثاني، ثم الكسندر الثالث ونيكولاي الثاني، على دعم الحكومات الروسية ونتيجة لذلك حصدوا شهرة في جميع أنحاء العالم. وقام ستالين بإلغاء قرار حظر الكحول عام 1924، ومنح مئة غرام لجنود الجيش الأحمر، وبحسب قول المحاربين القدامى، تمكن العديد بفضل كمية الفودكا هذه من البقاء على قيد الحياة، وقد وصل إنتاج “المشروب الوطني” في عهد ستالين إلى 10 ملايين ليتر في السنة.

 

حقائق محيّرة

الروس لا يقولون “نا زدوروفي” (بصحتك) عندما يشربون الفودكا، بل يقولون كلمة مختلفة وأكثر شيوعاً هي “بويخالي” (لننطلق)، لأن هذا ما فعله غاغارين في محطة الانطلاق سيوز.

المشروب الكحولي الوحيد الذي لا تكمن جودته في قدمه وعتقه، بل بمدى حداثة تاريخ انتاجه، ويعتبر عشاق الفودكا ان كل الفودكا التي لا تصنع في روسيا، مهما تقدّمت تقنية إنتاجها وارتفع ثمنها، ليست فودكا. ويرجعون السبب في ذلك الى النكهة المتمييزة للقمح في السهول الروسية والتي يُنتَج منها الكحول، وربما يكمن السبب في الخواص المميزة للمياه الروسية.

بالإضافة إلى الفودكا النقية، تقدّم قوائم الطعام في المطبخ الروسية ايضاً الفودكا المنكّهة والفودكا مع الفواكه.

تُصنع الفودكا المنكهة (ناستويكا) من مزج الفودكا مع منتجات معطرة من دون سكر، الفودكا مع الفواكه (ناليفكا)، تصنع باستخدام فواكه طازجة والتوت مع إضافة السكر والعسل، ولا تحتاج هذه الوصفة إلى تبريد مثلما تحتاج الفودكا النقية أو فودكا ناستويكا.

 

 

Author: Firas M

Share This Post On

Submit a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Top

Pin It on Pinterest

Share This

مشاركة

شارك هذا المقال مع صديق!