ستبقى ذكرى المناضلة الفرنسية سيمون فاي التي رحلت مؤخرا حية لدى العديد من الجزائريين، عبر مواقفها إبان حرب الاستقلال (1954 و1962). ففاي لعبت دورا هاما في تحسين ظروف اعتقال آلاف الجزائريين من “جبهة التحرير الوطني” وإنقاذ رقاب العشرات منهم المحكومين بالإعدام.
“لقد تلقيت ببالغ الحزن خبر وفاة سيمون فاي. الشعب الجزائري كان يعد سيمون فاي في صف أنصار قضاياه العادلة، ولا ينسى أيضا القرب والتضامن اللذين برهنت له عنهما إبان فترة المأساة الوطنية التي عاشها”، هكذا بدأ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة رسالة تعزية موجهة إلى نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد وفاة المناضلة النسوية والوزيرة السابقة الفرنسية سيمون فاي التي رحلت في 30 يونيو/ حزيران الماضي عن عمر ناهز 89 عاما.
يشير خطاب بوتفليقة إلى الدور الذي لعبته سيمون فاي في تحسين ظروف اعتقال آلاف الجزائريين من “جبهة التحرير الوطني” وتجميد تنفيذ حكم الإعدام بحق العشرات منهم، إبان فترة حرب التحرير الجزائرية بين عامي 1954 و1962.
بدأ اسم سيمون فاي يتداول في الأوساط السياسية الجزائرية حين تولت منصب مديرة إدارة السجون التابعة لوزارة العدل الفرنسية عام 1956، وأخذت على عاتقها مهمة تحسين أوضاع اعتقال آلاف السجناء، بينهم معتقلو “جبهة التحرير الوطني الجزائرية”. وقال جون وبيير فرانسوا فاي ابنا سيمون فاي، وهما محاميان، في تصريحات لصحيفة لوموند في 20 مارس/آذار 2010 إن والدتهما كانت مهتمة للغاية بمصير السجناء الجزائريين وبتحسين ظروفهم الصحية.
في شهادة أوردتها صحيفة “الوطن” الجزائرية الصادرة بالفرنسية في 11 يوليو/ تموز الجاري، يقول أحد السجناء السابقين من عناصر “جبهة التحرير الوطني” إنه عايش بنفسه الدور الذي لعبته فاي في تحسين الظروف المعيشية للسجناء السياسيين. فيروي أنه خلال فترتي الإضراب الجماعي الذي نظمه معتقلو “حركة التحرير الوطنية الجزائرية” في معتقلي “فرين” و”لا سونتيه” في فرنسا بين يونيو/ حزيران ويوليو/تموز 1959، كانت فاي متعاطفة إلى حد كبير مع مطالبهم التي كانت تشمل الاعتراف بوضعهم كسجناء سياسيين وليس “متمردين” أو “خارجين عن القانون” كما كان يتم تصنيفهم.
ويتابع السجين السياسي السابق أنه رغم الموقف المتعنت لرئيس الوزراء في ذلك الحين ميشال دوبري والرافض لأي تفاوض مع المضربين عن الطعام، فوزير العدل آنذاك، إدموند ميشليه ومديرة إدارة السجون سيمون فاي، كانا مؤيدين للتفاوض. وبالفعل حصل نحو 5 آلاف معتقل من “جبهة التحرير الوطني” على صفة “سجناء سياسيين”، وأصبح من المتاح لهم الحصول على عدة مزايا مثل تلقي حصص لتعلم اللغتين العربية والفرنسية والحصول على الصحف والكتب التي يريدونها.
وتؤكد نيكول دروفي وكانت إحدى محاميات سجناء “جبهة التحرير الوطني” في حديثها لصحيفة “الوطن” إن سيمون فاي لعبت دورا هاما في تحسين ظروف اعتقال السجناء خاصة من خلال نقلهم من سجون على الأراضي الجزائرية حيث كان التعذيب هو الأسلوب الطاغي، إلى سجون أخرى داخل فرنسا. وتضيف دروفي أن فاي كانت تقوم بزيارات مفاجئة للسجون للوقوف على الأحوال المعيشية للمعتقلين.
كما لعبت فاي دورا إيجابيا في “تأخير” و”تعطيل” أحكام الإعدام الصادرة بحق المئات من معتقلي “جبهة التحرير الوطني”، حيث كانت تقبل الطعون المقدمة من محاميي المعتقلين، وتم تجميد تنفيذ أحكام الإعدام حتى توقيع اتفاقيات إيفيان عام 1962 التي مهدت لاستقلال الجزائر.
وتقول فاي في كتاب “حياة” الذي تروي فيه مذكراتها إن علاقاتها مع المناضلة الفرنسية جيرمان تيليون والتي كان لها مواقف حازمة تجاه الاستعمار الفرنسي للجزائر، “فتحت أعينها على الواقع الاستعماري في الجزائر والمطالب المشروعة للجزائريين”.
مواقف فاي تجاه معتقلي “جبهة التحرير الوطني” جعلت منها إحدى “صديقات” الشعب الجزائري في فترة عصيبة من تاريخ العلاقات بين البلدين، وهو ما يضاف إلى سجل نضال سيمون فاي الحافل بالإنجازات.
فرانس 24