بدأ العد العكسي لإعلان تحرير الموصل. القوات العراقية ضيقت الخناق على فلول داعش في المدينة القديمة وما زالت تخوض معارك قوية في المحور الجنوبي منها. فهل بدأت نهاية تنظيم داعش؟ وهل السيطرة على الجامع النوري الذي أُعلنت منه الخلافة تعني نهاية الخلافة؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على الباحث العراقي المتخصص في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي، في لقاء خاطف خصّنا به رغم أنه في إجازة عائلية.
“داعش يضعف لكنه لا يُحتضر”
” يمكن القول إن بيعة دولة الخلافة المزعومة سقطت بتحرير الموصل” يقول الهاشمي. ويوضح أن “تحرير الموصل يعني هزيمة داعش عسكرياً في فرع العراق وانهيار آخر البؤر التي يسيطر عليها. فمدينة الموصل تعني الكثير لعناصر داعش من الناحية العقائدية لأنها أرض التمكين أو دار الخلافة ودار الهجرة وهي “بيضة المسلمين” التي يتوجب على الخليفة حمايتها، ومتى عجز عن حمايتها وخسرها بقهر السلاح صارت بيعته غير ملزمة لأتباعه وهم فقهياً في حِلّ منها”.
وعن احتمال إعلان الخلافة من مكان آخر أوضح الهاشمي أن “هذا الأمر مشروط باتضاح عن مصير الخليفة، وبتحديد أرض التمكين حيث يجب إقامة الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب منهج داعش، وإقامة الجمعة والجماعة والعيدين بأئمة وخطباء مؤمنين ببيعة الخليفة وداعين له على المنابر، إضافة إلى إنفاذ الأحكام على الناس”.
كان واضحاً في حديث الهاشمي أن انهيار تنظيم داعش في العراق لا يعني انهيار التنظيم ككل وهو أكد أن “داعش يضعف لكنه لا يُحتضر لأن الهيكل التنظيمي لم ينهار الى حدّ الفناء والتلاشي، ولا يزال يملك مقومات تجعله بحجم تنظيم القاعدة. لكن التنظيم تراجع عما كان عليه في آب أغسطس 2014 ولم يعد يملك المقومات ذاتها”.
وقارب الهاشمي بين داعش وإحدى دول العالم الثالث لناحية الادارة والنظم الحكمية والعسكر والأمن والمالية والدواوين والإعلام والخطاب السياسي رغم عدم وجود تمثيل سياسي وعلاقات خارجية نظراً إلى غياب الاعترافات الدولية والاممية بالتنظيم وقال “بعد إنهاك واستنزاف تنظيم داعش في العراق وليبيا وسوريا خلال السنوات الثلاث الماضية، بدأ داعش بتحويل هيكله التنظيمي الذي يعمل بالعلن وفق منهج الثور الهائج إلى هيكل تنظيمي سري – أمني يعمل وفق منهج الذئب المجروح” في إشارة منه إلى ردات الفعل الانتقامية والمتوحشة بدلاً من التركيز على التوسع.
“داعش يملك استثمارات داخل العراق وخارجه لم تُرصد أمنياً”
لدى سؤالنا عن الجانب المالي تحديداً أكد الهاشمي أن “داعش خسر أكثر من 80% من رأسماله الثابت ومن اقتصاده الذي يعتمد على النفط المسروق من العراق وسوريا إضافة إلى الضرائب وأتاوات المعابر ومفارق الطرق”.
أما عن مصادر التمويل الحالية فقال إن “داعش يملك مدخرات من زمن الوفرة إضافة إلى استثمارات داخل العراق في مشاريع تجارية لم تُرصَد أمنياً، وأرباح من استثمارات خارجية في دول الشرق الاوسط وآسيا التي تغض الطرف عن غسيل الاموال القذرة.”
الوهن الذي أصاب داعش وتراجع مقومات التنظيم في ظل الحرب الشرسة ليست نقاط الضعف الوحيدة لدى التنظيم المتشدد. فأبو بكر البغدادي (الذي قيل إنه قُتل) يختار قيادات المحافظات العراقية من المواطنين المناصرين له وكثير منهم يوصف بقلة العلم الشرعي على مستوى التأليف أو التحقيق أو الشرح أو حتى الخطابة، وفق تأكيد الهاشمي، الذي أشار إلى أن “معظم القادة العسكريين المعيَّنين حديثاً هم من ضباط الجيش السابق وهم غير مطلعين على السلفية الجهادية ومنهجها. أما القادة التاريخيين للتنظيم فهم من العراق واليمن وبعض الدول الخليجية وقلة من سوريا (بعض المحسوبين على أذرعة جيل أبي عمر البغدادي في ما عُرف بتنظيم دولة العراق الاسلامية) وهؤلاء تم إعطاؤهم صفة استشارية ولا شأن لهم في العمليات الميدانية”.
عن دلالة هذا الأمر يقول الهاشمي إن “البغدادي لا يحب ان يتقدمه أحد من قيادته في العلم او العلاقات او الاطلاع على التاريخ الجهادي، ومن المؤكد أن عناصر تنظيم داعش من دول الخليج لن يستمروا بقبول هذا الوضع”.
“العناصر الخليجيون بصدد التنسيق مع الظواهري لإضعاف البغدادي”
وكشف الهاشمي أن العناصر الخليجيين هم بصدد التنسيق مع القيادات العراقية المؤيدة للقاعدة ولأيمن الظواهري، لإضعاف البغدادي مبدياً اعتقاده أنهم نجحوا بزرع جزء صغير من عناصرهم ضمن الدائرة الاستشارية المحيطة بالبغدادي. لافتاً إلى أن “قانون مكافحة الإرهاب الذي تبنته السعودية، يطال عناصر تنظيم داعش السعوديين، ومن اجل ذلك سوف تسعى المخابرات السعودية إلى تفكيك خلايا داعش السعودية وإذا نجحت الأجهزة الأمنية السعودية بالكشف عن الخلايا السرية والقبض على أعضائها، فإن التفكيك سيحصل بطريقة منسقة ومتزامنة في سوريا والعراق، وفي دول الخليج بالتعاون مع الاستخبارات الأميركية والغربية”.
وعن سلاح الإعلام الذي تميز به تنظيم داعش منذ عام 2014 ونجح من خلاله بتصوير نفسه دولة متماسكة ومنظمة تتمتع بالتكنولوجيات الحديثة، أكد الهاشمي أن “مقتل أبو محمد العدناني وأبو محمد فرقان وهما أبرز قادة الإعلام والدعاية في داعش، أضعف الحرب الإعلامية والإلكترونية” وذكر بأن داعش عجز عن كبح الهجمات الالكترونية والإعلامية المخابراتية المضادة، التي ركزت مؤخراً على شخص البغدادي والقيادات العسكرية والأمنية وكشفت هوياتهم ما سرّع في تصفية العديد منهم .
في حديثه المقتضب والسريع، شدد الهاشمي مراراً على أن “تنظيم داعش هو تنظيم عقائدي تكفيري، إلى جانب كونه تنظيماً مسلحاً، ولذلك حين يفقد المنظّرين الذين ينشرون فكره ويبررون ممارساته ويفتون لجنوده سيفقد سبب بقائه ولذلك يجب محاربة داعش بالفكر وليس بالقوة فقط”.