القرار الدولي حول فلسطين خطوة متقدمة ولكن لا ينبغي الإفراط في التفاؤل تجاهها


للمرة الأولى منذ 36 عاماً، وبتأييد 14 عضوا وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2334 الذي كرر مطالبة إسرائيل بأن توقف فورا وعلى نحو كامل جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.

القرار، الذي قدمت مشروعه السنغال وفنزويلا وماليزيا ونيوزيلندا، أكد أن إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، ليس له أي شرعية قانونية، ويشكل انتهاكا صارخا بموجب القانون الدولي، وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل والدائم والشامل.

ويشكل القرار، بحسب خبراء تحدثت إليهم  وكالة “سبوتنيك” الروسية، انتصاراً ديبلوماسياً مهماً للفلسطينيين، وتحوّلاً في مقاربة المجتمع الدولي لقضية الصراع العربي-الإسرائيلي، وهو ما تبدّى في الغالبية الكاسحة التي حظي بها مشروع القرار، وفي موقف الولايات المتحدة، التي امتنعت عن استخدام حق النقض – الفيتو – الذي طالما شكل حماية لإسرائيل في المحافل الدولية، وإن كان ثمة من يعتقد بأن الموقف الأميركي لا يرقى إلى أن يكون تحوّلاً جذرياً، بالنظر إلى التجارب السابقة، وردود فعل الجمهوريين، وفي طليعتهم الرئيس المنتخب دونالد ترامب، المنتقدة للقرار الدولي.

عضو المكتب السياسي في الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين علي فيصل اعتبر ، في حديث إلى “سبوتنيك”، أن “الانجاز الفلسطيني في مجلس الأمن الدولي ما كان ليحصل لولا السياسة الحمقاء التي تنتهجها حكومة اليمين في إسرائيل، والتي اطلقت العنان للمستوطنين، واستفزت كل دول العالم، عبر اصرارها على المضي قدماً في المشاريع الاستيطانية، بما شكل احراجاً حتى للولايات المتحدة، التي امتنعت عن التصويت، بدلاً من استخدام حق النقض”.

واعتبر فصيل أن “الانجاز الفلسطيني ما كان أيضاً ليحصل لولا النضال الفلسطيني المستمر فصولاً على امتداد عمر النكبة في العام 1948، ولولا ارتفاع التأييد الدولي للقضية الفلسطينية، والذي تبدّى بشكل كبير يوم أمس، من خلال إقرار مشروع القرار الدولي بما يشبه الإجماع، وهو تطور مهم”.

وأضاف “نحن ننظر الى القرار الدولي باعتباره انجاز  مهم يجب أن تبنى عليه سياسة ديبولماسية فلسطينية هجومية على المستوى الدولي، سواء في الأمم المتحدة أو على مستوى المنظمات الدولية الأخرى، مثل المحكمة الجنائية الدولية”.

وحول قراءته للموقف الأميركي في مجلس الأمن، وردود الفعل المنتقدة في صفوف الجمهوريين، قال فيصل إن “الموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة لم يأت تعبيراً عن موقف شخصي بين باراك اوباما وبنيامين نتنياهو، أو موقف كيدي بين الإدارتين الديموقراطية والجمهورية، وإنما نتيجة الإحراج الكبير الذي تسببت به سياسات بنيامين نتنياهو للجانب الأميركي، من خلال الاستمرار في سياسات الاستيطان وتهويد القدس”.

وأضاف “لا شك أن الإدارة الاميركية الجديدة ستعمل على تعزيز قوة اسرائيل وحمايتها، لا سيما أنها إدارة يمينية متطرفة تلتقي مع حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل، لا بل أن ترامب يتفاخر باختياره وزيراً للخارجية مسانداً للحركة الصهيونية لا بل أكثر تطرفاً من المستوطنين في دعمه للاستيطان، من هنا فإننا لا نراهن على أي دور أميركي داعم للقضية الفلسطينية، وانما رهاننا على الدول الصديقة مثل روسيا والصين والحركات الشعبية الدولية، والأهم على قوة شعبنا ووحدته”.

من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي ربيع غصن، في حديث إلى “سبوتنيك”، إن “الموقف الاميركي مرحلي وغير ثابت”، موضحاً “أننا اعتدنا عند نهاية عهد أي رئيس أميركي على اتخاذ قرارات أو إجراءات يعتقد البعض أنها مفيدة للعرب، وعلى وجه الخصوص للقضية الفلسطينية، ولكن ذلك لا يمثل تحوّلاً بالمعنى الشامل”.

وأوضح غصن أن “التحوّل يُقاس بمدى قدرة الإدارة الأميركية على تثبيت هذا الموقف أو ذاك، والرئيس باراك أوباما لا يمتلك مثل هذه القدرة، إذ يكفي، للتأكد من ذلك، أن نرصد المواقف المنتقدة للقرار الدولي داخل الولايات المتحدة، والهجوم الذي شنه الجمهوريون على أوباما لعدم استخدامه حق النقض ضد مشروع القرار، حتى أن تلك المواقف شملت دونالد ترامب نفسه الذي وصف القرار الدولي بالفظيع، وتوعّد بأن كل شيء سيتغيّر حال تسلمه الحكم” في 20 كانون الثاني المقبل.

وأعرب غصن عن اعتقاده بأن “الموقف الأميركي الأخير  في مجلس الأمن لن يكون له أي تأثير في المستقبل، لا بل أن الولايات المتحدة ستكون مضطرة لتقديم الكثير من التنازلات لتكفير (ذنبها) تجاه إسرائيل”.

وحول الموقف المصري من مشروع القرار، قال غصن إن “العلاقات العربية-الأميركية بشكل عام، والمصرية – الأميركية على وجه الخصوص، تخضع لعوامل عدة، والتأثير الأميركي على السلطة في مصر عنصر لا يستهان به، فنحن نعرف جيداً أن المؤسسة العسكرية المصرية لديها ارتباطات كبرى بالمشروع الأميركي، وبالتالي  فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي لن يكون قادراً على اتخاذ خطوات فظة تجاه أميركا وإسرائيل، وإن كان يحاول في فترات متلاحقة أن يكون متوازناً في السياسات الخارجية، انطلاقاً من التحولات التي يشهدها العالم، لجهة الانتقال من نظام القطب الواحد إلى نظام متعدد الأقطاب”.

ورأى غصن أن “اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة سيستغل قرار مجلس الأمن الدولي، ولا سيما امتناع الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو، للتصويب مجدداً على شعرا التخلي الأميركي عن المصالح القومية لإسرائيل، وهو  ما سيدفع إدارة ترامب إلى تقديم الكثير لترميم العلاقة مع إسرائيل، ومن المؤكد أن  البروباغندا الاعلامية ستساعد الرئيس الأميركي على ذلك”.

واستبعد غصن أية تداعيات جوهرية في المقاربة الدولية للقضية الفلسطينية، خصوصاً المجتمع الدولي منصرف الى قضايا أخرى، مثل سوريا والعراق وليبيا، لكنه يتوقع أن يكون لقرار مجلس الأمن تأثير على الداخل الفلسطينية لجهة إعطاء الزخم للرئيس محمود عباس للاستمرار في سياسات تعتبرها الفصائل الفلسطينية مناقضة لاستقلالية الموقف الفلسطيني ومضرّة للقضية الفلسطينية.

أما الباحث في الشؤون الفلسطينية رشيد عبدو، فقال لـ”سبوتنيك” أنه “برغم امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، إلا أن موقفها في مجلس الأمن يوم أمس شكّل سابقة في السياسات تجاه إسرائيل، سواء في عدم استخدامها حق النقض لحماية حليفتها، أو في ما حملته مداخلة المندوبة الأميركية سامنثا باو من انتقادات للاستيطان، باعتباره غير قانوني وغير شرعي ومعطّل لعملية التسوية”.

ومع ذلك، توقع عبده تغير الموقف الأميركي بعد تسلم دونالد ترامب مفاتيح البيت الأبيض، حيث أن الرئيس الأميركي المنتخب أعلن ذلك صراحة في تغريدته على موقع “تويتر”، وهو بذل قبل ذلك جهوداً كبيرة مع مصر لتأجيل طرح مشروع القرار أمام مجلس الأمن.

وأضاف عبدو أن “الأمر لا يقتصر هنا على ترامب، فثمة مواقف حادة تجاه امتناع اوباما عن استخدام الفيتو ضد مشروع القرار من قبل الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس النواب والشيوخ”، مبدياً اعتقاده بأن “السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي ستتخذ منحى أكثر تشدداً في عهد ترامب، لا سيما أن الأدارة الجديدة ستكون مهتمة خلال المرحلة المقبلة بترميم العلاقات الثنائية مع الدولة العبرية، والتي شهدت توتراً غير مسبوق في عهد باراك أوباما، ما يعني أن سياسات ترامب ستشهد تقديم الكثير من التنازلات لتل أبيب، التي ستعمد بدورها إلى ابتزاز الإدارة الأميركية المقبلة إلى أقصى حد”.

 

(وكالة سبوتنيك الروسية )

Author: fouad khcheich

Share This Post On

Submit a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Top

Pin It on Pinterest

Share This

مشاركة

شارك هذا المقال مع صديق!