قراراتٌ “غير مسبوقة” اتّخذها المجلس الأعلى للاستثمار في مصر برئاسة عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية. تلاها قرارٌ “غير مفاجئ” للبنك المركزي المصري يقضي بتحرير سعر صرف الجنيه ليصل رسمياً إلى 13 جنيه للدولار. كل هذا يأتي في إطار “الإصلاح” الذي يطلبه صندوق النقد الدولي كشرط لإعطاء مصر قرضاً بقيمة 12 مليار دولار على 3 سنوات. فهل يتحمل المصريون مزيداً من ارتفاع الأسعار ولا سيما أسعار المواد البترولية والغذائية والأدوية والنقليات؟ وهل تتجه الحكومة نحو تقديم الدعم لكبار المستثمرين مقابل إلقاء أعباء جديدة على محدودي الدخل؟
قراراتٌ المجلس الأعلى للاستثمار
وكيل لجنة الموازنة في مجلس النواب المصري، النائب ياسر عمر، أوضح لموقع “روسيا الآن” أن قرارات المجلس الأعلى للاستثمار تأتي في إطار خطة الإصلاح الاقتصادي وتعزيز الاستثمار ليس فقط للمستثمرين الأجانب بل المصريين أيضاً. ورداً على اتهام المجلس بتسهيل عمل كبار المستثمرين وزيادة الأعباء على الفقراء، قال عمر إن “القرارات تضمنت إعفاء المستثمرين في منطقة الصعيد من تسديد ثمن الأرض، ومن دفع الضرائب لفترة محددة وهذا يشجع أصحاب الرساميل الصغيرة والمتوسطة على استصلاح الأراضي وبالتالي يخلق فرص عمل جديدة للمزارعين”.
من جهته قال الكاتب والخبير في الشأن الاقتصادي المصري مصباح قطب إن الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للاستثمار أصدر قرارات على مسارَين. الأول تنظيمي والثاني تحفيزي، والهدف هو تعزيز قطاعَي الصناعة والزراعة إضافة إلى الحد من الاستيراد وتقوية الصادرات المحلية. ولفت في حديثه لموقع “روسيا الآن” إلى مفاجأة تضمنتها هذه القرارات هي إعطاء دفع كبير لمشروع “العاصمة الإدارية الجديدة” المُقام شرق القاهرة (أعلنه وزير الإسكان المصري مصطفى مدبولي في آذار 2015) ولمشروع “مدينة العلَمين الجديدة” (مشروع إسكاني يضم 10 آلاف وحدة سكنية).
قرارات المجلس الأعلى للاستثمار هي التالية:
– تخصيص الأراضي الصناعية المزودة بالمرافق في الصعيد مجانا وفقا لضوابط وشروط تضعها الهيئة العامة للتنمية الصناعية.
– الإعفاء من الضريبة على الأرباح لمشاريع استصلاح الأراضي الزراعية التي تنتج محاصيل رئيسية يجري استيرادها من الخارج، أو يجري تصديرها.
– إعفاء الاستثمار الزراعي والصناعي الجديد في الصعيد من الضريبة على الأرباح لمدة 5 سنوات من تاريخ استلام الأرض.
– إعفاء المشاريع الجديدة لتصنيع السلع الاستراتيجية من الضريبة على الأرباح لمدة 5 سنوات
– تمديد قرار تجميد العمل بالضريبة على الأرباح الرأسمالية في البورصة لمدة 3 سنوات.
– خفض أسعار الأراضي 35% عند سداد القيمة المحددة، حتى نهاية عام 2016، بواسطة اللجنة العليا لاسترداد أراضي الدولة.
– تطبيق “التصالح الضريبي” للمتأخرين عن تسديد الضرائب من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي ليس لها ملفات ضريبية، من خلال تحديد مبلغ قطعي رمزي لسداده خلال مهلة شهرين عن كل سنة سابقة لممارسة النشاط وحتى عام 2017.
– منح تراخيص صناعية موقتة لمدة عام، من قبل الهيئة العامة للتنمية الصناعية، إلى حين توفيق المصانع لأوضاعها طبقا للضوابط المحددة في وزارة التجارة والصناعة.
– طرح أراضي العاصمة الإدارية الجديدة والمدن الجديدة في شرق بورسعيد والعلمين والجلالة والإسماعيلية الجديدة بنسبة خصم تبلغ 25% عن التسعير المحدد وذلك لمدة ثلاثة أشهر من تاريخ الطرح.
– تحديد سعر المتر المربع عند 500 جنيه في المدن الحديثة في الصعيد (وهي المنيا الجديدة وسوهاج الجديدة وأسيوط الجديدة وبني سويف الجديدة) على أن يبدأ تسليم الأراضي بمرافقها بعد عام.
– زيادة عدد الشركات التابعة للدولة التي سيجري طرح بين 20% و24% منها خلال السنوات الثلاث المقبلة على أن يشمل ذلك شركات مشروعات الريف المصري والعاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلَمين الجديدة ومحطات الكهرباء.
– إلزام الوزارات والجهات المعنية بتنفيذ كل القرارات الصادرة عن اللجنة الوزارية لفض منازعات الاستثمار خلال 15 يوما.
– إنشاء المجلس القومي للمدفوعات لخفض استخدام النقد خارج البنوك.
– تكليف الأمانة الفنية للمجلس الأعلى للاستثمار بعقد لقاءات مع مجتمع الأعمال لدراسة جميع مقترحات إزالة معوقات الاستثمار على أن تُعرض نتائج هذه اللقاءات على المجلس بشكل فورى.
– تفعيل المشاركة مع القطاع الخاص ودراسة أفضل إطار مؤسّسي لتبعيّتها.
– تشكيل لجنة دائمة في وزارة الاستثمار لبحث شكاوى المستثمرين ورفع تقرير دوري بشأنها للمجلس الأعلى للاستثمار.
– تأسيس شركة للترويج للاستثمار داخليا وخارجيا.
تحرير سعر الصرف
أعلن البنك المركزي المصري تعويم الجنيه المصري وترك حرية تسعيره للمصارف من خلال آلية “إنتربنك”. وقال في بيانه الرسمي “حرصاً من البنك المركزي على تأكید الثقة في الاقتصاد المصري وتحقیق الاستقرار النقدي، واستهدافا لمستویات أدنى من التضخم، فقد قرر البنك المركزي إتخاذ عدة إجراءات لتصحیح سیاسة تداول النقد الاجنبي من خلال تحریر أسعار الصرف لإعطاء مرونة للبنوك العاملة في مصر لتسعیر شراء وبیع النقد الأجنبي بهدف إستعادة تداوله داخل القنوات الشرعیة وإنهاء السوق الموازیة للنقد الأجنبي، اتساقاً مع المنظومة الإصلاحیة المتكاملة التي تتضمن برنامج الإصلاحات الهیكلیة للمالیة العامة (…)
لكن رئيس المنتدى المصري للدراسات السياسية والاقتصادية د. رشاد عبدو شكك في حديث لموقع “روسيا الآن” في إمكان القضاء على السوق الموازية (السوق السوداء) وقال إن “النظام الرأسمالي أو ما يُعرف اليوم باقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر يحدّد سعر العملة/السلعة وفقاً لقانون العرض والطلب. والطلب على الدولار في مصر ما زال مرتفعاً جداً بدليل أن سعر الصرف وصل يوم الخميس 3 تشرين الثاني إلى 16 جنياً للدولار بعدما بدأ بـ 13 جنيه” وأضاف عبدو أن المصارف العاملة في مصر ستتحكم بالمعروض النقدي وبالتالي سيضطر المواطنون إلى اللجوء للسوق الموازية ولن تتوقف المضاربة على العملة.
القضاء على السوق الموازية ليس الهدف الوحيد لقرار تعويم العملة. فقد أوضح محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر أن احتياطي النقد الأجنبي لديه سيزيد عن 20 مليار دولار وقد يصل إلى 25 ملياراً عام 2017، وهو أمر ضروري في ظل النقص الشديد بالعملات الصعبة ولا سيما الدولار. وقال في مؤتمر صحافي إن البنك “جاهز لإجراء تغيير في السياسة النقدية من أجل العمل على استقرار مستوى الأسعار ووضعها تحت السيطرة قدر الإمكان” مضيفاً أن المركزي فتح اعتمادات لاستيراد سلع أساسية بقيمة 1.2 مليار دولار تكفي لستة أشهر بهدف تأمين حاجات محدودي الدخل.
قرض صندوق النقد الدولي
التغيير في السياسة النقدية، الذي تحدّث عنه محافظ البنك المركزي المصري يمثل شكلاً من أشكال “الخضوع” لإملاءات صندوق النقد الدولي الذي لم يعطِ بعد موافقته النهائية على إعطاء مصر قرضاً بقيمة 12 مليار دولار، رغم أنه أعطى موافقته المبدئية في آب أغسطس الماضي. عامر وصف قرض الصندوق بـ”شهادة الثقة” للاقتصاد المصري! لافتاً إلى أن القرض سيساهم في تعزيز احتياطي النقد الأجنبي الذي بلغ 19.5 مليار دولار فقط في أيلول الماضي.
وفي هذا السياق لفت رشد عبدو إلى أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية والكمالية في السوق المصرية بات حتمياً. وقال لموقعنا إنه “عدا عن الارتفاع المتوقع في أسعار السلع المستورَدة نتيجةً لانخفاض قيمة الجنيه، فإن رفع الدعم عن البنزين والسولار (عمَلاً بما طلبه صندوق النقد الدولي) سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار عموماً لأن البنزين والسولار مرتبطان بكل شيء! أي بتشغيل الجرارات الزراعية والماكينات الصناعية ووقود الشاحنات التي تنقل البضائع…” وبالفعل فقد أعلنت الحكومة المصرية صباح الجمعة رفعَ أسعار الوَقود مرة جديدة، بعدما كانت قد رُفعت بنسبة 78% عام 2014.
غير أن عبدو شدد على أن الحكومة وضعت برامج مساعدات للأسر الفقيرة أبرزها مشروع “تكافل وكرامة” لتوفير راتب شهري وتأمين صحي للأسر الفقيرة، إضافة إلى بناء مساكن شعبية في مختلف المحافظات.