تصدرت الانتقادات التي تناولتها الرسائل الإلكترونية المسربة لكولن باول ضد دونالد ترامب وهيلاري كلينتون عناوين الصحف الأمريكية. وبعد تسريب الرسائل المتبادلة مع السفير بول بريمر، الذي شغل منصب مبعوث الرئيس بوش إلى العراق. ظاهريا، كانت رسائل باول الإلكتروني المتبادلة حول حل الجيش العراقي واجتثاث حزب البعث. والأهم من ذلك، كشفت قضيتان تستحقان الفحص: قيادة البيت الأبيض، ومدى تغاضي تجربة العراق على الحكومة الصغيرة ذات العقيدة المحافظة.
من الناحية الفنية، عمل بول بريمر لصالح وزارة الدفاع. وفي الواقع، يرى مسئولو وزارة الدفاع أنه لم يكن منتميًا لهم بل كان ممثل البيت الابيض لدى وزارة الدفاع. وقد أظهرت رسائل البريد الإلكتروني لباول هذه التفاصيل. حيث كان باول يشكو من فشل سياسة البنتاجون الكبرى … والتي لا يصدق أي مسئول في البنتاغون أنها تصدر من وزارة الدفاع.
كما تؤكد هذه الرسائل المسربة على الطبيعة غير المنضبطة لصناعة القرار السياسي في إدارة بوش. وما زالت هناك أسئلة جوهرية معلقة في الهواء. من كان مسئولاً عن الحرب، على سبيل المثال؟ نعم، يدعي الجميع أن له زمام المبادرة في هذه السياسة أو تلك. أو بشكل أدق، اشتكى الجميع بأن “الرجل الآخر” استحوذ على القلم. وقال باول حرفيًّا في هذه النقطة: ” بريمر قام بالعمل لصالحه. . . لم تكن الدولة، لقد كان الرئيس والرجل الذي أبلغ بول ولفويتز “.
وبعد ثلاثة عشر عامًا على قرار حل الجيش العراقي، كيف لا يزال وزيرا الدفاع والخارجية ومستشار الأمن القومي يتجادلون حول من المسئول؟ والواقع أن الإجابة القانونية موجودة حول مَن أمر مَن، ولكن من الواضح أن المسئولين اختلفوا، وما زالوا كذلك، حول من يصنع القرارات السياسية. هذا الوضع ساعد على تدخل البيت الأبيض، ولكن، في كثير من الأحيان، وقف البيت الأبيض محايدًا. وشهدت وزارتا الدفاع والخارجية انقسامًا في هذا الوضع حول جميع القضايا.
وإلى درجة بعيدة، كانت حرب العراق عملية، وليست فقط فشل سياسي. وفي نهاية المطاف، ينبغي لهذا النوع من الأسئلة أن يطرح في المكتب البيضاوي، ولكن عندما لا يجاب حول السياسات الأساسية، تبدأ الخلافات. وخلال الحرب، يبدو أن كل أسبوع كان يشهد تسريبًا جديدًا حول مسئول كبير جديد يتحدث خارج السرب. أو نقاش جدلي يستهدف شخص آخر عبر الصحافة. وقد وضعت مناقشات السياسة الحقيقية، والقرارات التي لم تحل، الأسس لهذه الدراما، وفي ظل غياب أي قرار من “صاحب القرار”، يتقاتل “فريق المنافسين”. وواصلت عرقلة صناعة القرار انتشارها إلى ما وراء العراق.
وبطبيعة الحال، فإن إثارة التساؤلات حول أداء إدارة بوش لن يفيد بشيء جديد. ولكن عادة، المحادثة تؤدي إلى مناقشة قرارات سياسية محددة. هل كان علينا تفكيك الجيش العراقي، على سبيل المثال؟ ولننظر في مدى عمق شكوى باول فهو لا يشتكي من أن الولايات المتحدة ينبغي أن تفضل سياسة على أخرى. ولكنه يؤكد أن بريمر لم يقدم تقريرًا إلى وزارة الخارجية.
وأظن أن الموضوع يتلقى اهتماما أقل بسبب عامل الملل، أو ربما لأن الناس لا تريد أن تظهر وهي تهين الرئيس بوش. ربما، أيضًا، إثناء مناقشة المخاوف المشروعة من أن أي فحص سيؤدي حتمًا إلى توجيه الاتهامات بين المسئولين بعضهم البعض.
تحتاج حكومات المستقبل أن تفهم الأخطاء التي ارتكبت في البيت الأبيض وكيف يمكنها تجنبها؟ إنها ليست سياسة. إنها عملية.
ستظل القضية دون حل. ولن يشعر كبار قادتنا مرة أخرى بأنهم ضعفاء في زمن الحرب. فهذه قضية عملية وقيادة. ويتطلب مشروع سياسي كبير وقاتل ومكلف – مثل قضية العراق – عملية منظمة حاسمة.
وحتى لو كان لدينا عملية قوية، فمع ذلك يمكن أن نحقق النجاح؟
وهذا يقودنا إلى السؤال الثاني الذي أثير بعد تسريب رسائل بريد باول الإلكترونية. كيف تنسجم حرب العراق مع العقيدة الأساسية للمحافظين: الحكومة الكبيرة لا تعمل؟ أليس كذلك. على الإطلاق.
وهنا يجب علينا أن نكون حذرين ألا ننحرف في نقاش لا معنى له حول “المحافظين الجدد مقابل مؤيدي عدم التدخل”. ولا نتمسك بالسؤال الأكثر مللاً حول قدرات الحكومة. هل لحكومتنا المترامية الأطراف القدرة على فعل ما حاولناه في العراق؟
لا يمكن أن يكون أحد دروس العراق، ليس لأسباب أخلاقية، وليس لأسباب دستورية ولا حتى النظرية. بل لأن حكومتنا لم يتم تصميمها لذلك. إنها مرهقة جدا وكبيرة جدا. حيث تسبب البيروقراطيات الحكومية مستوى الحد الأدنى من الركود والإحباط غير المناسب لمنطقة الحرب. وتتضاءل إعادة إعمار العراق مشروع أوباما للرعاية الصحية في الحجم والمدى، ولكن نادرا ما نسمع مشرعي المحافظين يذكرون ذلك في معارضتهم للحرب.
إننا نريد أن تعيد تسريبات باول التحقيق القضائي في قرارات التوظيف المختلفة. حيث يفتقدون الهدف من البداية. فلم يسأل باول حول كيف أن قضية العراق كانت بسبب الفوضى الكامنة في الحكومة الأمريكية وطبيعتها البيروقراطية.
فلم يكن هناك أي قدر من التخطيط، ولا أي قدر من التوفيق بين السنة والشيعة، ولا جيش عراقي متماسك، للتغلب على مليار مشكلة مزعجة تؤرق جهود الولايات المتحدة في العراق.
على سبيل المثال، ليس لدى وزارتي الدفاع والخارجية السلطة القانونية لإنفاق مبالغ صغيرة على التنمية المحلية. حيث يمكنها إنفاق المليارات ولكن لا يمكنها تبذير الآلاف. فكر في ذلك: مختبرات الحاسوب المدرسية مقابل محطات توليد الكهرباء. وقد طلب وزيرا الدفاع والخارجية شخصيا من الكونغرس هذه السلطة على مدى أكثر من خمس سنوات خلال الحرب. بل أكثر من ذلك. قضى قائد جيشنا في العراق بعض الوقت للوصول إلى كيف يمكن للحكومة أن تستأجر متخصص في أشجار النخيل مؤقتا لتقديم المشورة حول كيفية رش المبيدات الحشرية لأشجار النخيل. هل حدث ذلك حقًا؟!
خلقت عملية إعادة إعمار العراق هذه الأنواع من القضايا. حيث انخرط أشخاص، يفتقدون للتدريب والأدوات القانونية للتعامل مع تلك القضايا، في إيجاد حلول لها بينما يتعرضون لإطلاق النار. إن الأشخاص الذين يتعاملون مع هذه القضايا قادرون ورائعون، ولكنهم لم يتحققوا من قدرة الحكومة على هزيمة مقاول السياسات الأكثر دهاءً.
وبدلا من هذه القضايا الأكثر مللاً، كانت المناقشات التي لا تطاق حول الحرب في العراق بين أشخاص غاضبون من حرب العراق ضد مدافعين عنها، وكان الجدال يدور حول ما إذا كانت السياسة الخارجية الأمريكية تقترب من التعريف الضبابي لفكرة “عدم التدخل”. إنه جدال بلا هدف.
وكثيرا ما تحدث المناقشات بين خبراء فقط ، ولكننا نريد إشراك مزيدًا من الجمهور. بل نريد من الأبناء والبنات والجيران والأصدقاء أن يقاتلوا ويموتون على الخطوط الأمامية. وعلى الرغم من أن الناخب العادي ليس له مصلحة في تسلسل صناعة القرارات والمخططات، فإن أمريكا بحاجة إلى مزيد من الأشخاص للانخراط في العراق. استنتاجات بسيطة مثل، “إن الرئيس ومعاونيه كان ينبغي أن يكون أكثر حسما” أو “حلول الحكومة الكبيرة لا تجدي نفعًا حتى في الولايات المتحدة، فلماذا كانوا يعملون في العراق؟” متجاوزين الاستنتاجات التي تؤدي إلى الانعزالية والعدائية.
تسريبات الرسائل المتبادلة بين باول وبريمر تفتح الباب أمام المزيد من المناقشات المفيدة حول العراق. يجب أن يعي الناخبون أن بيروقراطيتنا – ببساطة – لن تكون على مستوى مهمة تنفيذ مشروع مثل العراق.
وإذا وجدت الولايات المتحدة نفسها في حرب أخرى، يجب أن يشعر الناخبون بالثقة من أن الأمة تعلمت الكثير من الدروس المستفادة من العراق. ويؤكد أن تجنب الولايات المتحدة للحروب لن يجدي نفعًا. إنها مشاعر لطيفة حقًا. ولكنها غير واقعية تماما. وإذا ما انخرطت مع عابر سبيل عادي في نقاش حول نظرية القرار، فأي شيء يطور ويحسن حوارنا الوطني الحالي حول العراق.
لقد وصف باول “بول وولفويتز” : بأنه ” كاذب لعين”، ولكن إذا نظرنا إلى الماضي، وإلى الخطاب المألوف بين ترامب وكلينتون، فإن رسائل باول المسربة تحتوي نصوص مفيدة تستحق مزيدًا من الحوار.