أبدت الصحافية ناتالي نوغايريد إعجابها ب”هدوء” المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المناقض “للهستيريا” التي سيطرت على العديد من الخطابات السياسية في أوروبا، وإن تكن لفتت في مقالها في صحيفة غادريان البريطانية إلى أنّ كثيرين تساءلوا عمّا إذا كانت ميركل قد فقدت الثقة ببرنامجها السياسي، حين نأت بنفسها عن شعارها الشهير “نعم يمكننا فعل ذلك” والمتعلّق بحلّ أزمة اللاجئين.
كما أعادت ألمانيا اختراع نفسها بعد الحرب، وكما أنجزت التوحيد، فإنّه يُنظر إلى المشهد الحالي على أنّه لحظة محدِّدة في تاريخ الدولة
ورأت الكاتبة أنّ المستشارة تقبع وحيدة على القمّة، حيث لا تزال شخصيّة بارزة جداً في الحقل العام تواجه مهمّة شاقّة ترتبط بدمج أكثر من مليون لاجئ. ولا تأمل الكاتبة بالكثير من المقررات التي يمكن أن تصدر عن الديبلوماسية في هذا المجال، أكان في قمّة براتيسلافا الأوروبية أو قمّة الأمم المتحدة في نيويورك. فبالنسبة إليها، ستحتاج ألمانيا للمبادرة من تلقاء ذاتها في إيجاد الحلول، وهي “تراهن على أنّ الحظوظ جيدة”. لذلك يراقب جيران ألمانيا عن كثب كيفية تعاملها مع هذا الإختبار الصعب.
المزاج العام يبقى غير متوقّع
المشكلة الأولى التي تتطرّق إليها نوغايريد هي احتمال ميلان المزاج العام نحو اتجاهات غير متوقعة. وتعطي مثالاً على ذلك، مشهد تصفيق الألمان للاجئين حين كانوا ينزلون من القطارات والذي تمّ تناسيه بعد هجمات مقاطعة كولونيا ليلة رأس السنة. ومع ذلك، لا تنفي الكاتبة المجهود الكبير الذي يبذله المجتمع المدني الألماني في سبيل إنهاء “ظاهرة اللجوء” بطريقة إيجابية. وتكتب نوغايريد عن الحالة الذهنية لألمانيا حكومة وشعباً، بالإشارة إلى مشروع خاص في شتوتغارت تحت اسم مجموعة لاب (عائلة ألمانية)، حيث تمّ اختيار 12 لاجئاً يافعاً للمشاركة في مشاريع تعليمية: “الاستماع إلى الشبان اليافعين المبتسمين من سوريا وأفغانستان وإريتريا يصفون كيف ينوون صنع الأفضل من هذه الفرصة، يساعد في تبديد الشكوك”.
“تضامن”.. كلمة لم تفرغ من مضمونها
وتلاحظ الكاتبة أنّه وكما “أعادت ألمانيا اختراع” نفسها بعد الحرب، وكما “أنجزت التوحيد”، فإنّه يُنظر إلى المشهد الحالي على أنّه لحظة محدِّدة في تاريخ الدولة. وتضيف نوغايريد أنّ دور عائلة لاب قد يكون صغيراً إذا ما قيس بالنسبة إلى الصورة الوسعة، “لكنّه بالتأكيد يجعل كلمة “تضامن” تبدو أقلّ فراغاً ممّا هي عليه في باقي أوروبا”. ورأت أنّ أي إمكانية للنجاح في التعامل مع هكذا حدث، فهي بالتأكيد تقوم على هذه الطريقة. ثمّ كتبت عن كون ازدهار واستقرار المؤسسات الألمانية مفتاحين أساسيين لنجاعة جهود الدمج. فمستوى البطالة هو في الحدّ الأدنى له منذ سنة 1990 وفوائض التجارة تسجّل أرقاماً قياسية.
نقطة إيجابية… وأخرى أقل إيجابية
تشير الصحافية إلى أنّ العولمة منتقدة بشكل واسع لأنّها تغذّي الشعبوية. لكنّ ألمانيا استفادت بشكل كبير من العولمة بفضل صادراتها. وما هو على المحك هنا، يتعلّق أكثر بالتأقلم مع أشكال جديدة من التنوع، بما أنّ الدولة تستقبل مجموعات مختلفة من الشعوب. فهذه هي الموجة الأولى من المهاجرين العرب إلى ألمانيا التي كان مجتمعها المسلم منذ سنة 1950 يتأسس بشكل خاص من العمّال الأتراك. وترى أنّ الجانب الإيجابي يتركّز في كون التاريخ الألماني يفتقد للمشاكل التي عانى منها التاريخ الفرنسي مع الهجرة العربية. أمّا “الجانب الأقل إيجابية” فهو استغراق ألمانيا لعقود طويلة من أجل تقبّل أنّ العمّال الأتراك وعائلاتهم سيصبحون مواطنين كاملي الحقوق والواجبات.
“ابقوا هادئين”
تلفت نوغايريد إلى صعوبة إنكار الأهمية الكبرى في إدارة طرق الإدراك العام لدى الجماهير وهي على نفس مستوى أهمية وضع خطط التعليم والسكن والعمل للوافدين حديثاً، الأمر الذي تعمل عليه رسائل ميركل الحاملة لشعار “إبقوا هادئين”. كما لفتت أيضاً إلى أنّ الأسباب التي دفعت ميركل إلى تكرار “نعم يمكننا فعل ذلك” لم تضمحلّ فجأة، حتى ولو خفّفت نبرة تلك الرسالة. وأكّدت أنّه كما تحتاج أوروبا لنجاح ألمانيا في هذه المهمّة كي لا يستفيد الشعبويون في أمكنة أخرى، كذلك، تحتاج ألمانيا إلى أوروبا للعمل جماعياً من أجل التأكّد أنّ ظروف الاندماج لن يُطيح العنف بها. “فالوحدة هي أمر لا تستطيع تحمّله”.