71 مليون عاطل عن العمل


“71 مليون عاطل عن العمل في العالم”، حقيقة كشفت عنها منظمة العمل الدولية مؤخرا في إشارة إلى أعلى نسبة بطالة بين الشباب منذ ثلاث سنوات، وسط توقعات بارتفاع معدلاتها العام المقبل وتحذيرات أممية من تداعيات ذلك على ارتفاع معدلات الفقر، خاصة إذا استمرت معدلات الهجرة واللجوء في التصاعد نتيجة للكوارث والتوترات الجيوسياسية وغياب أفق للتعامل مع الأزمات وأسبابها على الأقل في الوقت الراهن.
وتبدي مصادر أممية قلقا متزايدا من تنامي تأثير ظاهرة البطالة على إمكانية تحقيق أهداف الألفية الأممية” للقضاء على الفقر في العالم حتى عام 2030″، سيما أن معظم العاطلين عن العمل هم من سكان الدول النامية المصنفة ضمن الاقتصادات الناشئة وهي دول يعاني شبابها أصلا من ارتفاع في معدلات الفقر رغم أن 37.7% من القوى العاملة في تلك الدول هم من الشباب الأمر الذي يستدعي استنفار الجهود العالمية وتعاونها في سبيل الحد من البطالة.
وتُرجع المنظمة تصاعد أعداد البطالة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، مشيرة إلى أن نسبة الفقر بين العمال ترتفع في إفريقيا لتصل الى 70% من القوى العاملة و 49% في جنوب آسيا و39% في الدول العربية في حين أن ظاهرة الفقر بين القوى العاملة ظهرت أيضا في دول الاتحاد الاوروبي وبنسبة 13%، على الرغم من تطور النظم الاقتصادية لديها.
كما تعود أسباب ارتفاع نسب البطالة بين الشباب إلى عدم تكافؤ الفرص في منح فرص لاسيما في مناطق من جنوب آسيا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث تقل معدلات تشغيل الفتيات مقابل توظيف الشبان في تلك المناطق بمتوسط نسب 31% ، وذلك وفقا لمصادر المنظمة، إذ يميل 38% من الشباب في جنوب الصحراء في افريقيا وامريكا اللاتينية وشرقي أوروبا إلى البحث عن فرصة هجرة للعمل في دول أخرى.
وإزاء هذا الواقع تعرب المنظمة عن قلقها نظرا لأن البطالة متفشية بين شباب “من ذوي المؤهلات التعليمية الجيدة”، كما أن العمال أيضا لا يحصلون على الأجر المناسب لمستوى المعيشة في الدول التي يقيمون فيها، مطالبة بمضاعفة الجهود المبذولة لدعم التنمية المستدامة ودفع عجلة الاقتصاد في الأسواق العالمية واحترام الكرامة الإنسانية وتوفير فرص عمل للشباب.
ومن اللافت في هذا الاطار أن البلدان العربية تعد بين عشر مناطق جغرافية في العالم الأعلى في معدلات البطالة بين الشباب لعام 2016، بل هي الوحيدة
التي بلغ فيها معدل بطالة الشباب نسبة 30.6 في المائة في العام الحالي، أو ما يعادل ثلاثة اضعاف متوسط المعدل العام لبطالة الشباب في العالم تقريبا، حيث سجلت بطالة الشباب في الدول العربية النسبة ذاتها “30.6 في المائة” في عام 2015، لكن هناك أملا أن تنخفض النسبة بمقدار أقل من نقطة مئوية واحدة “0.9 في المائة” في عام 2017 لتصل إلى 29.7 في المائة، طبقا لبيانات أصدرتها منظمة العمل الدولية مؤخرا، ورغم ذلك وإذا تحقق هذا الانخفاض، فستحافظ البلدان العربية على مركزها كأعلى موطن لبطالة الشباب في العالم.
حقيقة أخرى تضاف إلى ما تقدم وهو أن 156 مليونا من الشباب العامل في البلدان الناشئة والنامية يعيشون في فقر مدقع “أي على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم” أو في فقر معتدل “أي بين 1.90 و3.10 دولار”، وذلك على الرغم من حصولهم على وظيفة يعيشون منها وغير مسجلين ضمن العاطلين عن العمل، كما أن قرابة أربعة من كل عشرة (39 بالمائة) من الشباب العامل في البلدان العربية يعيشون على أقل من 3.10 دولار يوميا مقارنة بنحو 35 في المائة من البالغين العاملين.
ويرجع اقتصاديون أسباب البطالة الى موجات من الانتعاش والانكماش في الاقتصاد وتقلبات موسمية في اسعار النفط وصرف العملات، وإلى قصور نوعي وكمي في التعليم، وضعف في الإنتاجية، وتغير دوري في الطلب على السلع، والمنازعات بين العمال وأصحاب العمل، إضافة الى اختلال التوازن في سوق العمل نتيجة عوامل عدة منها الهجرات القسرية مثلا، فيما يعزي آخرون أسباب البطالة إلى عوامل أخرى منها عزوف البعض عن مهن بعينها لأسباب اجتماعية تتمحور في “ثقافة العيب” وغياب سياسات اقتصادية توازن بين عدد الخريجين في قطاعات معينة وحاجة السوق لمؤهلاتهم، ناهيك عن ضعف تطبيق مبادى تكافؤ الفرص والتباطؤ في عمليات الاصلاح الاقتصادي وعدم القدرة على الاستثمار في الموارد البشرية على النحو الذي يخدم سوق العمل، فضلا عما أحدثته الثورة التكنولوجية والمكننة من الاستغناء عن كثير من الأيدي العاملة.
ويجتهد خبراء في البحث عن حلول مبتكرة للمساهمة في التخفيف من مشكلة البطالة المتفاقمة ومن ذلك تشجيع الاستثمارات التي تؤدي إلى زيادة المصانع والمشروعات مما يزيد من فرص العمل والقضاء على مشكلة الانفجار السكاني الذي يبتلع كافة جهود التنمية، والاهتمام بتحسين النظام التعليمي مما يوفر العمالة المؤهلة وتشجيع المشروعات الصغيرة الصناعية والزراعية والخدمية، ودعمها من قبل الدول لتشجيع الشباب على الإقبال على هذه المجالات الجديدة، إضافة الى تشجيع العمل الحر ومساندة الحكومات في قضايا تشغيل الخريجين “الشراكة بين القطاعات الخاصة والحكومية”، وضرورة وضع استراتيجيات متطورة في النظم الاقتصادية لتحاكي التغييرات المتسارعة؛ بغية تحسين بنية تلك النظم ومدخلاتها ومخرجاتها بطبيعة الحال.
فيما يؤكد متخصصون أهمية العمل على تثبيت دعائم الاستقرار السياسي والأمني في كثير من مناطق العالم لينعكس ذلك استقرارا اقتصاديا وانتعاشا في أسواق المال والاستثمار والتنمية المستدامة، وضرورة البحث عن أطر أوثق للتعاون والتبادل الاقتصادي والتجاري في صيغ تشاركية وحدوية قائمة على المصالح المشتركة والتكامل الاقتصادي وتبادل الخبرات والتشارك في التجارب الاقتصادية الناجحة، وتشجيع الافكار المبدعة في مجالات الانتاج والابتكار والابحاث العلمية القادرة على ابتكار حلول مهنية وعملية تحاكي قدرات الشباب وتطلعاتهم في سوق العمل والانتاجية.

Author: fouad khcheich

Share This Post On

Submit a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Top

Pin It on Pinterest

Share This

مشاركة

شارك هذا المقال مع صديق!